للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء؛ للدلالة على الوحدة، فإن الْخِدَاع إن كان من المسلمين، فكأنه حَضَّهم على ذلك ولو مرة واحدة، وإن كان من الكفار فكأنه حذَّرهم من مكرهم، ولو وقع مرةً واحدةً، فلا ينبغي التهاون بهم؛ لما ينشأ عنهم من المفسدة، ولو قَلَّ.

وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة، كهُمَزَة، ولُمَزَة.

وحَكَى المنذري لغة رابعةً بالفتح فيهما، قال: وهو جمع خادع؛ أي إن أهلها بهذه الصفة، وكأنه قال: أهل الحرب خَدَعَةٌ.

قال الحافظ: وحَكَى مكيّ، ومحمد بن عبد الواحد لغةً خامسةً: كسر أوله، مع الإسكان، قرأت ذلك بخط مغلطاي.

وأصل الخدع إظهار أمر، وإضمار خلافه، وفيه التحريض على أخذ الْحَذَر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وأن من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه.

قال النوويّ: واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب، كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد، أو أمان، فلا يجوز.

قال ابن العربيّ: الخداع في الحرب يقع بالتعريض، وبالكمين، ونحو ذلك.

وفي الحديث: الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة، ولهذا وقع الاقتصار على ما يشير إليه بهذا الحديث، وهو كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحجُّ عرفة"، قال ابن الْمُنِّير: معنى "الحرب خدعة": أي الحرب الجيِّدة لصاحبها، الكاملة في مقصودها، إنما هي المخادعة، لا المواجهة، وذلك لخطر المواجهة، وحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر.

[تكميل]: ذكر الواقديّ أن أول ما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الحرب خدعة" في غزوة الخندق. انتهى (١).

(سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) كذا وقع في هذه الرواية، وفي حديث أبي برزة -رضي الله عنه- عند النسائيّ: "يخرج في آخر الزمان قوم"،


(١) "الفتح" ٧/ ٢٨٢ - ٢٨٣ كتاب "الجهاد" رقم (٣٠٢٧)، و"عمدة القاري" ١٤/ ٢٧٥.