للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قلت]: رَوَى أحمد من رواية حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد: "فنظر إليه، فإذا هو يلوك تمرةً، فحرك خَدَّه، وقال: ألقها يا بُنَيّ، ألقها يا بُنَيّ"، فما التوفيق بينه وبين قوله: "كخ كخ"؟.

[قلت]: هو أنه كلّمه أوّلاً بهذا، فلما تمادى قال: "كخ كخ" إشارةً إلى استقذار ذلك، ويَحْتَمِل العكس بأن يكون كلَّمه أوّلاً بذلك، فلما تمادى نَزَعها من فيه (١).

قال: والحكمة في تحريمها عليهم، أنها مُطَهِّرة للْمُلّاك، ولأموالهم، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} الآية [التوبة: ١٠٣]، فهي كغسالة الأوساخ، وأن آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منزهون عن أوساخ الناس، وغسالاتهم، وثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"، رواه مسلم.

وإما أن أخذها مَذَلَّة، ويد الآخذ هي اليد السفلى، ولا يليق بهم الذلّ والافتقار إلى غير الله تعالى، ولهم اليد العليا.

وإما لأنها لو أخذوها، لطال لسان الأعداء بأن محمداً يدعونا إلى ما يدعونا إليه؛ ليأخذ أموالنا، ويعطيها لأهل بيته، قال تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} الآية [الأنعام: ٩]، و [الشورى: ٢٣]، ولهذا أمر أن تُصْرَف إلى فقرائهم في بلدهم. انتهى (٢).

(أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ") بفتح همزة "أنّا" لسدّها مسدّ معمولي "عَلِمتَ وفي الرواية التالية: "إنا لا تحل لنا الصدقة وفي رواية معمر: "إن الصدقة لا تحل لآل محمد"، وكذا عند أحمد، والطحاويّ، من حديث الحسن بن عليّ نفسه، قال: "كنت مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فَمَرَّ على جَرِين من تمر الصدقة، فأخذتُ منه تمرةً، فألقيتها في فيّ، فأخذها بلعابها، فقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة"، وإسناده قويّ، وللطبرانيّ، والطحاويّ من حديث أبي ليلى الأنصاريّ نحوه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "عمدة القاري" ٩/ ٨٦، و"الفتح" ٤/ ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٢) "عمدة القاري" ٩/ ٨٦.