للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الناس كافر بالنعمة، فالمراد بالكفر هنا كفر دون كفر، فهو كفران النعمة؛ إذ هو ظاهر السياق، حيث أتبعه بقوله: "قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ" فإنه يؤيّد التفسير المذكور.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: فمقابلته لـ"شاكر" بـ "كافر" يدلّ على أن المراد كفر النعمة وجَحْدها؛ إذ لم يُضفها إلى ربّه ويشكره عليها، ولا وَلَّى الأمر أهله، واقتصر على ذكر عادة غير مؤثّرة ومخلوقات مسخّرة، وآلات مُدَبَّرة، غير مُدَبِّرَة. انتهى (١).

ويحتمل أن يكون المراد كفر الجحد، لكنه محمول على المستحلّ، كما سبق إيضاحه.

والكفر في الأصل: الستر، والتغطية، يقال: كفر الشيءَ، من باب نصر: إذا غطّاه وستره، قال لبيد [الكامل]:

يَعْلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاتِرًا … فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا

أي ستره، ويقال: كفَرَ بالله، يكفُرُ كُفْرًا، وكُفرانًا، وكَفَرَ النعمة، وبالنعمة أيضًا: جحدها، وكفر بكذا: تبرّأ منه، وفي التنزيل العزيز: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: ٢٢]، وكفر بالصانع: نفاه وعَطّل، وهو الدَّهريّ والملحد، وهو كافرٌ، وكَفَرَةٌ، وكُفّار، وكافرون، أفاده الفيّوميّ (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: أصل الشكر: الظهور، ومنه قوله: دابّة شَكُور، إذا ظهر عليها من السّمَن فوق ما تأكله من العلف، والشاكر هو الذي يُثني بالنعمة، ويُظهرها، ويَعترف بها للمنعم، وجَحْدُها: كُفرانها، فمن نسب المطر إلى الله تعالى، وعَرَف مِنَّته فيه، فقد شكر الله تعالى، ومن نسبه إلى غيره، فقد جَحَد نعمة الله تعالى في ذلك، وظَلَم بنسبتها لغير المنعم بها، فإن كان ذلك عن اعتقاد كان كافرًا ظالِمًا حقيقةً، وإن كان عن غير اعتقاد، فقد تشبّه بأهل الكفر والظلم الحقيقيّ، كما قلناه آنفًا، وقد قابل في هذا الحديث بين الشكر والكفر، فدلّ ظاهره على أن المراد بالكفر هنا كفران النعم لا الكفر بالله تعالى.


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٥٣٥.