للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيحْتَمِل أن يكون المراد به الكفر الحقيقيّ، ويؤيّد ذلك استدلال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} [الواقعة: ٨٢]، أي تجعلون شكر رزقكم التكذيب، على حذف المضاف، قاله المفسّرون، وقرأ عليّ - رضي الله عنه - (١): "وتجعلون شكركم"، فعبّر عن الرزق بالشكر، والرزق: الشكر بلغة أزد شنوءة، يقال: ما رزقه: أي ما شكره، وما رزق فلان فلانًا: أي ما شكره. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وقوله: (قَالُوا) هو من باب اللفّ والنشر المرتّب، فهذا راجع لقوله: "من الناس شاكر"، وقوله: "وقال بعضهم" راجع لقوله: "ومنهم كافر".

ومعنى قوله: (هَذِه رَحْمَةُ اللهِ) أي هذه رحمة رَحِمَنا اللهُ تعالى بها، قالوا هذا تحدّثًا بنعمة الله تعالى عليهم، ومثنين عليه بها، فهو معنى كونهم شاكرين، وعند أبي عوانة: "قال بعضهم: هذه رحمة وضعها الله"، ولأبي نعيم: "قالوا: هذه رحمة وضعها الله".

(وَقَالَ بَعْضُهُمْ) الكافرون بتلك الرحمة (لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا") تقدّم أن النوء يُطلق على الطلوع وعلى الغروب، ويُطلق أيضًا على النجم الطالع والغارب، وقال الزجّاج: الساقطة في المغرب: هي الأنواء، والطالعة في المشرق: هي الْبَوَارح (٣).

(قَالَ) أي ابن عبّاس - رضي الله عنهما - (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ


(١) لكن أشار في "الفتح" أنه ليس قراءة من عليّ - رضي الله عنه -، وإنما هو تفسير، ودونك نصّه: وقد رُوِي نحو أثر ابن عباس المعلّق مرفوعًا من حديث علي - رضي الله عنه -، لكن سياقه يدلّ على التفسير لا على القراءة، أخرجه عبد بن حميد، من طريق أبي عبد الرحمن السُّلَميّ، عن عليّ - رضي الله عنه - مرفوعًا: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} قال: تجعلون شكركم، تقولون: مُطِرنا بنوء كذا. انتهى.
وأما قراءة ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، فقد أخرجها سعيد بن منصور، عن هُشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"، وهذا إسناد صحيح، ومن هذا الوجه أخرجه ابن مردويه في "التفسير المسند". انتهى ما في "الفتح" ٢/ ٦٧٤.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٦٠ - ٢٦١.
(٣) راجع: "الصيانة" ص ٢٥١.