للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النُّجُومِ (٧٥) - حَتَّى بَلَغَ - وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)} [الواقعة: ٧٥ - ٨٢]) فقوله: {فَلَا أُقْسِمُ} إلخ بدل من "هذه الآية".

قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى: فيه إشكال يزول بالتنبيه على أنه ليس مرادُهُ أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء، كما توهّمه القاضي عياض على ما بلغنا عنه، فإن الأمر في معنى ذلك، وتفسيره يأبى ذلك، وإنما النازل من ذلك في ذلك قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)}، والباقي نزل في غير ذلك، ولكن اجتمعا في وقت النزول، فذكر الجميع من أجل ذلك، ومما يَدُلّ على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب. انتهى (١).

[تنبيه]: قول ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "فنزلت هذه الآية" هذا مما يُعطى حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل في آية من القرآن: "إنها نزلت في كذا" مرفوع إذا كان مما لا مجال للرأي فيه، وذلك كقول ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا، وكقول جابر - رضي الله عنه -: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٢٣] الآية، رواه مسلم، وإلى هذا أشار السيوطيّ في "ألفيّة الحديث"، حيث قال:

وَهَكَذَا تَفْسِيرُ مَنْ قَدْ صَحِبَا … فِي سَبَبِ النُّزُولِ أَوْ رَأْيًا أَبَى

تفسير هذه الآيات الكريمات:

قوله عزَّ وجلَّ: {فَلَا أُقْسِمُ} قال جُويبر عن الضحاك: إن الله تعالى لا يُقْسِم بشيء من خلقه، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه، قال ابن كثير: وهذا القول ضعيف، والذي عليه الجمهور أنه قَسَمٌ من الله تعالى، يُقسِم بما شاء من خلقه، وهو دليل على عظمته. انتهى (٢).

وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله تعالى في "المفهم": هذا وأشباهه قَسَم من الله تعالى على جهة التشريف للمُقْسَم به، والتأكيد للمُقْسَم له، ولله تعالى أن يُقسِم بما شاء من أسمائه، وصفاته، ومخلوقاته، تشريفًا وتنويهًا، كما قال تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١){وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}،


(١) "الصيانة" ص ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٢) تفسير ابن كثير ١٣/ ٣٨٩.