للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَالْمُرْسَلَاتِ}، {وَالنَّازِعَاتِ} ونحو هذا، وقد تكلّف بعض العلماء، وقال: إن المقسَم به في مثل هذه المواضع محذوفٌ للعلم به، فكأنه قال: وربّ الشمس، وربّ الليل، والذي حمله على ذلك أنه لَمّا سمع الشرع قد نهانا أن نحلف بغير الله تعالى ظن أن الله تعالى يمتنع من ذلك، وهذا ظنّ قاصرٌ وفهم غير حاضر؛ إذ لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن لله تعالى أن يحكم بما يشاء، ويفعل من ذلك ما يشاء؛ إذ لا يتوجّه عليه حكمٌ، ولا يترتّب عليه حقّ، وأيضًا فإن الشرع إنما منعنا من القَسَم بغير الله تعالى حماية عن التشبّه بالجاهليّة فيما كانوا يُقسمون به من معبوداتهم ومعظّماتهم الباطلة على ما يأتي الكلام عليه في "كتاب الأيمان" - إن شاء الله تعالى -. انتهى كلام القرطبيّ (١)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.

ثم قال بعض المفسرين: "لا" ها هنا زائدة، وتقديره: أقسم بمواقع النجوم، رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير، ويكون جوابه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) وقال آخرون: ليست "لا" زائدة لا معنى لها، بل يُؤتَى بها في أول القسم، إذا كان مُقْسَمًا به على منفيّ، كقول عائشة - رضي الله عنها -: "لا والله ما مست يدُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط"، متّفقٌ عليه، وهكذا ها هنا تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم، ليس الأمر كما زعمتم في القرآن، أنه سحرٌ أو كهانة، بل هو قرآن كريم، وقال ابن جرير: وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: {فَلَا أُقْسِمُ} فليس الأمر كما تقولون، ثم استُؤْنِفَ القسمُ بعد ذلك، فقيل: أقسم (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ في "تفسيره": قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ}: "لا" صلة في قول أكثر المفسرين، والمعنى: فأقسم بدليل قوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} وقال الفراء: هي نفيٌ، والمعنى ليس الأمر كما تقولون، ثم استَأْنَفَ أُقسِمُ، وقد يقول الرجل: لا والله ما كان كذا، فلا يريد به نفي اليمين، بل يريد به نفي كلام تقدم، أي ليس الأمر كما ذَكرتَ بل هو كذا، وقيل: "لا" بمعنى "ألا" للتنبيه، كما قال [من الطويل]:

أَلَا عِمْ صَبَاحًا أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي … وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي الْعُصُرِ الْخَالِي


(١) "المفهم" ١/ ٢٦٢.
(٢) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٢٩٨.