للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ونَبَّهَ بهذا على فضيلة القرآن؛ ليتدبروه، وأنه ليس بشعر، ولا سحر، ولا كهانة، كما زَعَمُوا، وقرأ الحسن، وحميد، وعيسى بن عمر: "فلأقسم" بغير ألف بعد اللام على التحقيق، وهو فعلُ حالٍ، ويُقَدَّرُ مبتدأ محذوف التقدير: فلأنا أقسم بذلك، ولو أريد به الاستقبال لَلَزِمت النون، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يُراد به الاستقبال، وهو شاذّ.

وقوله: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}، اختلفوا في معناه، فقال حكيم بن جُبَير، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: يعني نجوم القرآن، فإنه نَزَلَ جملةً ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا، ثم نزل مُفَرَّقًا في السنين بعدُ، ثم قرأ ابن عباس هذه الآية، وقال الضحاك عن ابن عباس: نزل القرآن جملةً من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السَّفَرَة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَة على جبريل عشرين ليلة، ونجّمه جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - عشرين سنة، فهو قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥)} نجوم القرآن، وكذا قال عكرمة، ومجاهد، والسُّدّيّ، وأبو حَزْرَة، وقال مجاهد أيضًا: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} في السماء، ويقال: مطالعها ومشارقها، وكذا قال الحسن، وقتادة، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة: مواقعها منازلها، وعن الحسن أيضًا: أن المراد بذلك انتشارها يوم القيامة، وقال الضحاك: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (٧٥)} يعني بذلك الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مُطِرُوا قالوا: مُطِرنا بِنَوْء كذا وكذا (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: قوله تعالى: {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}: مواقع النجوم مَساقِطها ومغاربها، في قول قتادة وغيره، وقال عطاء بن أبي رباح: منازلها، وقال الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة، وقال الضحاك: هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مُطِروا، قالوا: مُطرنا بنوء كذا، قال الماوردي: ويكون قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ} مستعملًا على حقيقته من نفي القسم، وقال القشيريّ: هو قسم، ولله تعالى أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة.


(١) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٨٩ - ٣٩٠.