للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن هذه القصّة وقعت بعد آية الحجاب؛ لأن آية الحجاب نزلت حين تزوّجها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كما هو مشهور في "الصحيحين"، وغيرهما من حديث أنس -رضي الله عنه- (أَنْ لَا تُكَلِّمَاهُ) "أن" مصدريّة، والمصدر المؤوّل مجرور بحرف جرّ محذوف قياسًا، كما في "الخلاصة":

وَعَدِّ لَازِمًا بحَرْفِ جَرِّ … وَإِنْ حُذِفْ فَالنَصْبُ لِلْمُنْجَرِّ

نَقْلًا وَفِي "أَنًّ " وَ"أَنْ " يَطَّرِدُ … مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَ "عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا"

وإنما قدّرنا حرف الجرّ؛ لأن لَمَعَ يتعدّى به، قال في "القاموس": لَمَع بالشي، كمَنَع: ذَهَب، وبيده: أشار. انتهى (١).

(قَالَ) عبد المطّلب (ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّ الصَّدَقَةَ) أي أنواع الزكاة، وأصناف الصدقات (لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ) قال النوويّ رحمه الله: فيه دليل على أنها محرَّمة، سواء كانت بسبب العمل، أو بسبب الفقر والمسكنة، وغيرهما من الأسباب الثمانية، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا، وجَوّز بعض أصحابنا لبني هاشم، وبني المطلب العمل عليها بسهم العامل؛ لأنه إجارة، وهذا ضعيفٌ، أو باطلٌ، وهذا الحديث صريحٌ في ردّه. انتهى (٢).

وقوله: (إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) الجملة خبر لقوله: "هذه"، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠)} [الكهف: ٣٠]، فلا يُحتاج إلى تقدير خبر، كما اختاره ابن حجر، ولا إلى القول بأنها بدل مما قبلها، وبأنها زائدة، ونحوها، قاله القاري رحمه الله (٣).

وقال النوويّ رحمه الله: فيه تنبيهٌ على العِلّة في تحريمها على بني هاشم، وبني المطلب، وأنها لكرامتهم، وتنزيههم عن الأوساخ، ومعنى أوساخ الناس أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآية [التوبة: ١٠٣]، فهي كغُسَالة الأوساخ.

وقال القرطبيّ رحمه الله: إنما كانت الصدقة كذلك؛ لأنها تطهّرهم من البخل، وأموالَهم من إثم الكنز، فصارت كماء الغُسالة التي تُعاب.


(١) "القاموس المحيط" ٣/ ٨٢.
(٢) "شرح النوويّ " ٧/ ١٧٩.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٤/ ٢٨٩.