للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ومساقُ الحديث والتعليل يقتضي أنها لا تحلّ لأحد من آل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن كانوا عاملين عليها، وهو رأي الجمهور، وقد ذهب إلى جوازها لهم إذا كانوا عاملين عليها أبو يوسف، والطحاويّ، والحديث ردّ عليهم. انتهى (١).

وقال الزرقانيّ: قوله: "إنما هي أوساخ الناس"؛ أي وهم منزهون عن ذلك؛ صيانةً لمنصبهم؛ لأنها تنبئ عن ذُلّ الآخذ، وعزّ المأخوذ منه؛ لحديث: "اليد العليا خير من اليد السفلى"، وأُبدلوا بالفيء المأخوذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ، وذل المأخوذ منه.

وتَعَقّب ابن الْمُنَيِّر هذا التعليل بأنها مَذَلّة بأن مقتضاه تحريم الهبة لهم، ولا قائل به، ولأن الواهب له أيضًا اليد العليا، وقد جاء في بعض الطرق: "اليد العليا هي المعطية"، وهي المتصدقة، فيدخل الهبات. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الأولى في التعليل ما ذُكر في هذا الحديث من كونها أوساخ الناس، فتأمل، والله تعالى أعلم.

وقال الباجيّ: لأنها تُطهِّر أموالهم، وتُكَفِّر ذنوبهم، والأصح عند المالكية، والشافعية، أن المحرَّم عليهم صدقة الفرض، دون التطوع؛ لقول جعفر بن محمد، عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقيل له: أتشرب من الصدقة؛ فقال: إنما حُرِّم علينا الصدقة المفروضة، رواه الشافعيّ، والبيهقيّ.

قال الباجيّ: محل حرمة الفرض ما لم يكونوا بموضع يُستباح فيه أكل الميتة. انتهى (٢).

[فإن قيل]: كيف أباح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الصدقة لأمته، وقد أخبر أنها أوساخ الناس، ولذا حرّمها عليه، وعلى آل بيته؟.

[أجيب]: بأنه إنما أباحها للضرورة، فلذا جاءت النصوص الكثيرة في النهي عن سؤالها، فينبغي للحازم أن لا يراها مباحة إلا للضرورة، فلا يتوسّع فيها، بل يتناول منها للحاجة الملحّة، والله تعالى أعلم.


(١) راجع: "المفهم" ٣/ ١٢٨.
(٢) "شرح الزرقاني" ٤/ ٥٥٠.