بسحر، ولا كِهانة، وليس بِمُفْتَرىً، بل هو قرآن كريم محمود، جعله الله تعالى معجزة لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وهو كريم على المؤمنين؛ لأنه كلام ربهم، وشفاء صدورهم، كريم على أهل السماء؛ لأنه تنزيل ربهم ووحيه، وقيل: كريم أي غير مخلوق، وقيل: كريم لما فيه من كريم الأخلاق ومعالي الأمور، وقيل: لأنه يُكْرِم حافظه ويُعْظِمُ قارئه. انتهى.
وقوله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)} أي مُعَظّم في كتاب محفوظ مُوَقَّر، وقال القرطبيّ المفسّر: قوله: في كتاب مكنون: مَصُون عند الله تعالى، وقيل: مكنون محفوظ عن الباطل، والكتابُ هنا كتاب في السماء، قاله ابن عباس، وقال جابر بن زيد، وابن عباس أيضًا: هو اللوح المحفوظ، وقال عكرمة: التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن، ومن يَنْزِل عليه، وقال السُّدّيّ: الزبور، وقال مجاهد وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا. انتهى.
وقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} قال ابن جرير: حدثني موسى بن إسماعيل، أخبرنا شريك، عن حكيم هو ابن جُبَير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}، قال: الكتاب الذي في السماء، وقال الْعَوْفيّ عن ابن عباس: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} يعني الملائكة، وكذا قال أنس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، وأبو الشَّعْثاء جابر بن زيد، وأبو نَهِيك، والسُّدّيّ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور، حدثنا معمر، عن قتادة: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا، فإنه يمسه المجوسيّ النَّجِس والمنافق الرِّجْس، قال: وهي في قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه -: "ما يمسه إلا المطهرون"، وقال أبو العالية: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب، وقال ابن زيد: زعمت كفار قريش، أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين، فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون، كما قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)} [الشعراء: ٢١٠ - ١٢]، وهذا القول قولٌ جَيِّدٌ، وهو لا يَخرُج عن الأقوال التي قبله.