للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الفراء: لا يجد طَعْمه ونفعه إلا من آمن به.

وقال آخرون: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} أي من الجنابة والحدث، قالوا: ولفظ الآية خبر ومعناها الطلب، قالوا: والمراد بالقرآن ها هنا المصحف، كما روى مسلم عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن يُسَافَرَ بالقرآن إلى أرض العَدُوّ، مخافةَ أن يناله العدو".

واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في "موطئه" (١١٩٩) عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم: "أن لا يمس القرآن إلا طاهر"، وروى أبو داود في "المراسيل" من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر".

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وهذه وجادة جَيِّدةٌ، قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به، وقد أسنده الدارقطني (١١١) عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر، والله أعلم. انتهى (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: اختُلِفَ في معنى {لَا يَمَسُّهُ} هل هو حقيقة في المسّ بالجارحة أو معنى، وكذلك اختُلِفَ في {الْمُطَهَّرُونَ} مَن هم؟.

فقال أنس وسعيد بن جبير: لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة، وكذا قال أبو العالية وابن زيد: إنهم الذين طُهِّرُوا من الذنوب، كالرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فجبريل النازل به مُطَهَّر، والرسل الذين يجيئهم بذلك هم السَّفَرَة الكرام الْبَرَرَة، وهذا كله قول واحد، وهو نحو ما اختاره مالك، حيث قال: أحسن ما سمعت في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} أنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)}: {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)}، يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وُصِفوا بالطهارة في سورة "عبس".


(١) "تفسير ابن كثير" ١٣/ ٣٩٠ - ٣٩١.