للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أي هلال شوّال، قال النوويّ رحمه اللهُ: المراد رؤية بعض المسلمين، ولا يشترط رؤية كل إنسان، بل يكفي جميعَ الناس رؤية عدلين، وكذا عدل على الأصحّ، هذا في الصوم، وأما الفطر فلا يجوز بشهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء، إلا أبا ثور، فجوّزه بعدل. انتهى (١).

(فَإنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ) أي غُطّي عليكم، وسُتر أولُهُ، أو آخره، وفي الرواية التالية: "فإن غُمَّ عليكم"، قال الطيبيّ: أي غُطِّي الهلالُ بغيم، من غَمَمتُ الشيءَ: إذا غطيته، وفيه ضمير الهلال، ويجوز أن يكون مسندًا إلى الجار والمجرور، بمعنى إن كنتم مغمومًا عليكم، وترك ذكر الهلال للاستغناء عنه. انتهى (٢).

وقال القرطبىّ رحمه اللهُ: قوله: "فإن أُغمي عليكم" في "أُغْمي" ضمير يعود إلى الهلال، فهو الْمُغْمَى عليه، لا الناظرون، وتقديره: فإن أُغمي الهلال عليكم، وأصلُ الإغماء: التغطيةُ، والغمّ، ومنه الْمُغْمَى عليه؛ لأنه غُطّي عقله عن مصالحه، ويقال: أُغمي الهلال، وغُمِّي -مشدّد الميم- وكلاهما مبنيّ لما لم يُسمَّ فاعله، ويقال أيضًا: غُمّ مبنيًّا لما لم يُسمّ فاعله مُشدّدًا، وكذلك جاءت رواية أبي هريرة - رضي الله عنه -، فعلى هذا يقال: أُغمي، وغُمي -مخفّفًا، ومشدّدًا- رباعيًّا وثلاثيًّا، وغُمّ، فهي أربع لغات، ويقال: غامت السماءُ تَغيم غيمومةً، فهي غائمة، وغَيْمَةٌ، وأغامت، وتغيَّمَت، وغَيَّمَتْ، وأَغْمَتْ، وغَمَتْ.

وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "فإن غُمِي" أي خَفِيَ، يقال: غُمِي عليّ الخبرُ: أي خَفِيَ، وقيل: مأخوذ من الغَمَاء، وهو السحاب الرقيق، وقد وقع للبخاريّ: "غَبِيَ" بالباء، وفتح الغين: أي خفي، ومنه الغَبَاوة. انتهى (٣).

وقال النوويّ رحمه اللهُ: معناه: حال بينكم وبينه غيم، يقال: غُمَّ، وأُغْمِيَ، وغُمِيَ، وغُمِّيَ بتشديد الميم وتخفيفها، والغين مضمومة فيهما، ويقال: غَبِيَ


(١) "شرح النوويّ" ٧/ ١٩٠.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٥٧٩.
(٣) "المفهم" ٣/ ١٣٨ - ١٤٧.