للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ضمة السين ضمة بناء، والفعل مجزوم. انتهى (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: المطهّرون بحكم عرف الشرع هم المطهّرون من الحدث، وعليه فتكون "لا" نهيًا، ويمسّه مجزوم بالنهي، وضُمّت سينه لأجل الضمير، ويجوز أن يكون خبرًا عن المشروعيّة، أي لا يجوز مسّه إلا لمن تطهّر من الحدث، ويكون هذا نحو قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣]، وهذا تقرير وجه من استدلّ بالآية على تحريم مسّ القرآن على غير طهارة وهم الجمهور، وأما من أجاز ذلك وهم أهل الظاهر، فحملوا الآية على أنه خبرٌ عمّا في الوجود، أي لا يمسّه، ولا يناله، ولا يباشره إلا الملائكة، وهم المطهّرون بالحقيقة، وتكون الآية مثل قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)} [عبس: ١٣ - ١٦]، وإلى هذا صار مالك في تفسير هذه الآية، مع أن مذهبه أنه لا يجوز لمحدِثٍ مسّ المصحف أخذًا بهذا الحكم من السنّة عنده لا من الآية. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما سبق من سوق الأقوال وحججها، أن أرجح الأقول قول من فسّر الآية بأن المراد بقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} أنه لا يمسّه إلا الملائكة، وهم المطهّرون كما صار إليه الإمام مالك رحمه الله تعالى واختاره، وقال: أحسن ما سمعت في قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} وأنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)}: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)}، يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وُصِفوا بالطهارة في سورة "عبس".

أما مسألة مس المصحف للمحدث فإن مذهب الجمهور هو الأرجح، لا لهذه الآية، بل لكتاب عمرو بن حزم، فإنه وإن قيل بإرساله، إلا أنه مشهور عملت به الأئمة، وقرأه الزهريّ رحمه الله تعالى، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وهذه وجادة جَيِّدةٌ، قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به (٣).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٢٥ - ٢٢٧.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٦٣.
(٣) "تفسير ابن كثير" ١٣/ ٣٩٠ - ٣٩١.