للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد أشبعت الكلام في هذا، واستوفيته في "شرح النسائيّ" (١٧١/ ٢٦٥) "باب حَجْب الجنب من قراءة القرآن"، فراجعه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم الطريق.

وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)} أي هذا القرآن منزّل من عند رب العالمين، وليس هو كما يقولون: إنه سحرٌ، أو كهانة، أو شعرٌ، بل هو الحق الذي لا مرية فيه، وليس وراءه حقّ نافع، قاله ابن كثير.

وقال القرطبيّ: هو كقولهم ضَرْبُ الأمير، ونَسْجُ اليمن، وقيل: تنزيل صفة لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) وقيل: أي هو تنزيل. انتهى.

وقوله - عز وجل -: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١)} قال الْعَوْفيّ عن ابن عباس: أي غير مُصَدِّقين، وكذا قال الضحاك، وأبو جَزْرَة، والسُّدّيّ، وقال مجاهد: {مُدْهِنُونَ} أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم. انتهى (١).

وقال أبو العباس القرطبيّ: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني بالحديث القرآن؛ لأنه أحاديث عن الأمم الماضية، والوقائع الآتية، والأحكام الجارية، و {مُدْهِنُونَ} مكذّبون، وأصله من الدَّهْن، يقال: أدهن، وداهن: أي ترك ما هو عليه وتلبّس بغيره. انتهى (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ: قوله: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} ويعني القرآن {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} وأي مُكَذِّبون، قاله ابن عباس، وعطاء، وغيرهما، والْمُدْهن الذي ظاهره خلاف باطنه، كأنه شُبِّهَ بالدهن في سهولة ظاهره، وقال مقاتل بن سليمان وقتادة: {مُدْهِنُونَ} وكافرون، نظيره: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩)} [القلم: ٩]، وقال المؤرِّج: المدهن المنافق، أو الكافر الذي يُلِين جانبه لِيُخفي كفره، والإدهان والمداهنة: التكذيب والكفر والنفاق، وأصله اللِّين، وأن يُسِرَّ خلاف ما يُظهر، وقال أبو قيس بن الأَسْلَت:

الحَزْمُ وَالْقُوَّةُ خَيْرٌ مِنَ الـ … إِدْهَاِن وَالْفُهَّةِ وَالْهَاعِ (٣)


(١) راجع: "تفسير ابن كثير" ٤/ ٢٩٨ - ٣٠٠.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٦٣.
(٣) "الْفُهّة": الْعِيُّ، و"الْهَاعُ" هنا: سوء الحرص مع ضعف.