له وجه إلا ما قاله، لم يكن فيه حجة؛ لثبوت السنن الراتبة الصريحة بالأسانيد الصحيحة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف ما ادعى المخالف، ولا يجوز تركها لفعل ابن عمر ولا غيره.
ثم روى بإسناده عن ابن عباس قال: ليس أحد من الناس إلا يؤخذ من قوله ويترك، غير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الخطيب: وقد جعل المخالف العلة في تفسير الحديث المجمل الذي رواه ابن عمر مجرد فعله مع احتماله غير ما ذهب إليه، وكان يلزمه ترك رأيه، والأخذ بحديث ابن عباس، ثم ذكره بإسناده عن ابن عباس، قال: تمارى الناس في رؤية هلال رمضان، فقال بعضهم: اليوم، وقال بعضهم: غدًا، فجاء أعرابيّ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه رآه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؟ " قال: نعم، فأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بلالًا، فنادى في الناس: صوموا، ثم قال:"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فَعُدُّوا ثلاثين يومًا، ثم صوموا، ولا تصوموا قبله يومًا".
قال الخطيب: وهذا الحديث أولى أن يأخذ به المخالف من حديث ابن عمر؛ لِما فيه من البيان الشافي باللفظ الواضح الذي لا يَحتمل التأويل، ولأن ابن عباس ساق السبب الذي خرج الكلام عليه.
قال الخطيب: والمراء في رؤية الهلال إنما يقع إذا كان في السماء غيم، فلو كان الحكم ما ادعاه المخالف، لأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الناس بالصوم، من غير شهادة الأعرابي على الرؤية.
قال الخطيب: وقد رَوَى عن عبد الله بن جراد الْعُقَيليّ، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حديثًا فيه كفاية عما سواه، فذكره بإسناده عنه، ثم قال: أصبحنا يوم الاثنين صيامًا، وكان الشهر قد أُغمي علينا، فأتينا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأصبناه مفطرًا، فقلنا: يا نبي الله صمنا اليوم، فقال:"أفطروا إلا أن يكون رجل يصوم هذا اليوم، فليتم صومه؛ لأن أُفطر يومًا من رمضان متماريًا فيه، أحب إليّ من أن أصوم يومًا من شعبان، ليس منه"؛ يعني ليس من رمضان.
قال الخطيب: وأما ما ذكره المخالف أنه حجة له من جهة الاستنباط، وقوله: إن معنى "اقدروا له" ضَيِّقوا شعبان لصوم رمضان، فهو خطأ واضح؛