قال الخطيب: قال المخالف: [فإن قيل]: لِم كان حمله على تسع وعشرين أولى من حمله على ثلاثين؟.
[قلنا]: لوجوه: أحدها أنه تأويل ابن عمر الراوي، وهو أعرف، والثاني أنه مشهور في كتاب الله تعالى في غير موضع، الثالث: أن فيه احتياطًا للصوم.
قال الخطيب: أما تأويل ابن عمر فقد ذكرنا ما يفسده من معارضة ابن عباس له بالرواية التي لا تَحْتَمِل تأويلًا، وذكرنا عن ابن عمر من الروايات ما يوجب تأويل فعله على غير ما ذهب إليه المخالف، وكذلك تفسير ما ادعاه من الآيات، فلا حاجة إلى إعادته، وأما قوله: إن فيه احتياطًا، فالاحتياط في اتباع السنن، والاقتداء بها، دون الاعتراض عليها بالآراء، والحمل لها على الأهواء، ومنزلة من زاد في الشرع، كمنزلة من نقص، لا فرق بينهما.
قال الخطيب: قال المخالف: [فإن قيل]: قد روى مسلم: "فاقدروا له ثلاثين" من رواية ابن عمر.
[قلنا]: هذا التفسير ليس بصريح؛ لاحتمال رجوعه إلى هلال شوال، قال الخطيب: لا يجوز لأحد أن يزيل الكلام عن أصله الموضوع، وظاهره المستعمل المعروف، وَيعْدِل عن الحقيقة إلى المجاز، إلا بدليل، وحقيقة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم عليكم، فاقدروا له ثلاثين" راجع إلى الغيم في ابتداء الصوم، وفي انتهائه، وقد بَيَّن النصُّ ما اقتضاه ظاهر هذا اللفظ، وعمومته وحقيقته، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس:"صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه غمامة، أو ضَبابة، فأكملوا شعبان ثلاثين، ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان".
وعن ابن عباس أيضًا، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فعُدُّوا ثلاثين يومًا، ثم صوموا، ولا تصوموا قبله بيوم"، وفي رواية عنه:"فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"، رواه البخاريّ في "صحيحه".
قال الخطيب: واستدل المخالف على أنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم عليكم