فاقدروا له" راجع إلى غم هلال شوال، بحديث أبي هريرة الآخر: "فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين، ثم أفطروا"، قال الخطيب: وليس في هذا أكثر من بيان حكم غمّ الهلال آخر الشهر، وأنه يجب إكمال عدة الصوم، ونحن قائلون به، فأما بيان حكم غمه في أول رمضان، فمستفاد من الأحاديث السابقة، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن غم عليكم، فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين، ثم صوموا"، وفي الرواية الأخرى: "فعُدُّوا شعبان"، وفي الأخرى: "فعُدّوا ثلاثين يومًا، ثم صوموا"، وحديث عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إذا غُم عليه عَدَّ ثلاثين يومًا، ثم صام".
قال الخطيب: قال المخالف: هذه الألفاظ محمولة على ما إذا غُمّ هلال رمضان، فإنا نعدُّ شعبان تسعة وعشرين يومًا، ثم نصوم ثلاثين يومًا، فإن حال دون مطلع هلال شوال ليلة الحادي والثلاثين غيم عددْنا حينئذ شعبان ثلاثين، ثم نعدُّ رمضان ثلاثين، ونصوم يومًا آخر، فيكون إحدى وثلاثين، قال الخطيب: من خلت يداه من الدليل، وعدل عن نهج السبيل، لجأ إلى مثل هذا التأويل، ومع كونه إحدى العظائم والكُبَر، وأعجب ما وقف عليه أهل النظر، فإن صاحبه لم يُسنده إلى أصل يَرُدُّه إليه، ولا أورد أمرًا يَحْتَمِل أن يقفه عليه، ولو جاز تخصيص الحديث العام بغير دليل لبطلت دلالة الأخبار، ولم يثبت حكم بظاهر، وتعلق كل مبطل بمثل هذه العلة، ولئن ساغ للمخالف هذا التأويل الباطل، ليسوغنّ لغلاة الرافضة الذين يسبقون الناس في الفطر والصوم أن يتأولوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"، أن المراد تقدم الصيام للرؤية، وتقدم الفطر للرؤية، قال الخطيب: ومخالفنا يعلم فساد هذا التأويل الذي قاله، فيقال له: أسمعت هذا التأويل عن أحد؟ فإن زعمه فليأت بخبر واحد يتضمنه، وأن واحدًا من السلف كان إذا غُمّ عليه هلال شوال استأنف عدد شعبان، فإن لم يجده في خبر ولا أثر، وهيهات أن يجده، فليعلم أن ما تأوله خلاف الصواب، فالحقّ أحقّ أن يتبع.
فإن قال: استخرجته بنظري، قلنا: الاستخراج لا يكون إلا من أصل، ولا سبيل لك إليه.
قال الخطيب: وزعم المخالف أن إجماع الصحابة في هذه المسألة على