قال الخطيب: قال المخالف: ولا يتقدم أنس على صوم الجماعة إلا بصوم يوم الشكّ، قال الخطيب: فيقال له: قد قال أنس: إنه لم يصمه معتقدًا وجوبه، وإنما تابع الحكم بن أيوب، وكان هو الأمير على الإمساك فيه، ولعل الأمير عزم عليه في ذلك، فكره مخالفته، والمحفوظ عن أنس أنه أفطر يوم الشك، كذا روى عنه محمد بن سيرين، وحسبك به فهمًا وعقلًا وصدقًا وفضلًا.
ومن ذلك عن عائشة: لأن أصوم يومًا من شعبان أحب لي من أن أفطر يومًا من رمضان، قال الخطيب: أرادت عائشة صوم الشك إذا شهد برؤية الهلال عدلٌ، فيجب صومه، ولو كان قد شهد بباطل في نفس الأمر، وأرادت بقولها مخالفة من شرط لصوم رمضان شاهدين، والدليل على هذا أن مسروقًا روى عنها النهي عن صوم يوم الشك، ثم رواه الخطيب بإسناده.
ومن ذلك عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا غم الهلال تقدمته، وصامت، وتأمر بذلك، قال الخطيب: ليس في هذا أكثر من تقدمها بالصوم، وَيحتمل أنه تطوع لا واجب، وإذا احتمل ذلك، لم يكن للمخالف فيه حجة، مع أن الحجة إنما هي في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله.
قال الخطيب: ومما جاء عن التابعين فيه ما رويناه، فذكر بإسناده عن عكرمة: من صام يوم الشك فقد عصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر رجلًا أن يفطر بعد الظهر، وعن القاسم بن محمد: لا تصم اليوم الذي تشك فيه؛ إذا كان فيه سحاب، وفي رواية عنه: لا بأس بصومه إلا أن يُغَمّ الهلال، وعن الشعبي أنه سئل عن اليوم الذي يقول الناس: إنه من رمضان، قال: لا يصم إلا مع الإمام، وفي رواية عنه: لو صمت السنة كلها ما صمت يوم الشك، وعن الضحاك بن قيس: لو صمت السنة كلها ما صمت يوم الشك، وعن إبراهيم قال: ما من يوم أبغض إلي أن أصومه من اليوم الذي يقال: إنه من رمضان، وعن إبراهيم، وأبي وائل، والشعبيّ، والمسيَّب بن رافع، أنهم كانوا يكرهون صوم اليوم الذي يقال: إنه من رمضان، وعن الحسن البصري قال: لأن أفطر يومًا من رمضان لا أتعمده أحب إلي من أن أصوم يومًا من شعبان أصل به رمضان أتعمده، وعن الحسن، وابن سيرين أنهما كرها صوم يوم الشك.