قال الخطيب: وذكر المخالف شُبَهًا من القياس، ولم يختلف من اعتمد الآثار من العلماء أن كل قياس ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نص يخالفه فهو باطل، ويحرم العمل به، وقد قال أبو حنيفة -وهو إمام أهل العراق مع توسعه في القضاء بالقياس-: البول في المسجد أحسن من بعض القياس، وهذا صحيح، وهو إذا قابل القياسَ نصٌّ يخالفه، أو كان فاسدًا لنقص، أو معارضة الفرع للأصل، كقياس المخالف وجوب صوم يوم الشك على من نسي صلاة من صلوات يوم، فهذا قياس باطل؛ لثبوت النص بخلافه، ولأن الصلاة لم تجب بالشك، بل لأنا تيقنا شغل ذمته بكل صلاة، وشككنا في براءته منها، والأصل بقاؤها، بخلاف الصوم، ولا طريق له إلى الصلاة المنسية إلا بفعل الجميع، وإنما نظير مسألة يوم الشك أن يَشُكّ هل دخل وقت الصلاة أم لا؟ فلا تلزمه الصلاة بالاتفاق، بل لو صلى شاكًّا فيه لم تصح صلاته.
قال المخالف: وقياس آخر، وهو القياس على ما إذا غُمّ الهلال في آخر رمضان، فإنه يجب صوم ذلك اليوم، قال الخطيب: ليس بهذا المخالف من الغباوة ما ينتهي إلى هذه المقالة، لكنه ألزم نفسه أمرًا ألجأه إليها، وكيف استجاز أن يقول: يوم الشك أحد طرفي الشهر، مع أن هذا الوصف لا يلزمه، ولا يُسَلَّم له؟. فإن قال: بنيته على أصل، قيل له: هو مخالف للنصّ، فيجب اطراحه، ويقال له: إن قلت يوم الشك أحد طرفي رمضان، فأْتِ بحجة على ذلك، وهيهات السبيل إلى ذلك، وإن قلت: الشك أحد طرفي شعبان، قيل: أصبت، ولا يجب صوم شعبان، ثم يقال: الأصل بقاء شعبان، فلا يزول بالشك، قال الخطيب: قال المخالف: لا يمتنع ترك الأصل للاحتياط، كما في مسألة من نسي صلاة من الخمس، وكما لو شك ماسح الخفّ في انقضاء مدته فلا يمسح، ولو شكت المستحاضة في انقطاع الحيض تلزمها الصلاة، قال الخطيب: أما مسألة الصلاة فسبق جوابها، وأما ماسح الخف فشرط مسحه بقاء المدة، فإذا شك فيها رجع إلى الأصل، وهو غسل الرجلين، وأما المستحاضة فسقطت عنها الصلاة بسبب الحيض، فإذا شكت فيه رجعت إلى الأصل، ومقتضى هذا في مسألتنا أن لا يجب صوم يوم الشكّ؛ لأن الأصل بقاء