للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ رحمه الله: هذا الحديث هو جزء من حديث طويل (١) يتضمّن أن نساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كثّرن عليه، وطالبنه بتوسعة النفقة، واجتمعن في ذلك، وخُضْن فيه، فَوَجَدَ عليهنّ، فأدّبهنّ بأن أقسم أن لا يدخل عليهنّ شهرًا، فاعتزلهنّ في غُرفة تسعًا وعشرين، فدخل عليه عمر، فكلّمه في ذلك، وتلطّف فيه، إلى أن زالت موجدته عليهنّ، وأنزل الله تعالى آية التخيير، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبدأ بعائشة -رضي الله عنها-، فذكّرته بمقتضَى يمينه، وأنه أقسم على شهر ظانّةً أن الشهر لا يكون أقلّ من ثلاثين، فبيّن لها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن الشهر يكون تسعًا وعشرين، وظاهره أنه اعتزلهنّ في أول ليلة من ذلك الشهر، وأن ذلك الشهر كان تسعًا وعشرين، ويشهد له قوله: "إن الشهر تسع وعشرون"؛ أي هذا الشهر؛ لأنه المتكلّم فيه، وَيحْتَمِل أن يكون اعتَبَر أوّل زمان اعتزاله بالأيام، وكمل تسعًا وعشرين بالعدد، واكتفى بأقلّ ما ينطلق عليه اسم الشهر، وعليه يُخَرَّج الخلاف فيمن نذر صوم شهر غير معيّن، فصامه بالعدد، فهل يصوم ثلاثين أو يكفيه تسع وعشرون؟ وإخبار عائشة -رضي الله عنها- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعدد تلك الليالي يُفهم منه أنها اعتَبَرت ذلك الشهر بالعدد، واعتناؤها بعدد الأيام استطالةٌ لزمان الهَجْر، وذلك يدلّ على فرط محبّتها، وشدّة شوقها للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان عندها من ذلك ما لم يكن عند غيرها، وبذلك استوجبت أن تكون أحبّ نساء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إليه، كما قد صرّح به -صلى الله عليه وسلم- حيث قيل له: "أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: "عائشة … " متّفقٌ عليه (٢). انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٣).

(دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) استُشكل قولها هذا؛ لأن مقتضاه أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها في اليوم التاسع والعشرين، فلم يكن ثَمَّ شهرٌ، لا على الكمال، ولا على النقصان.


(١) حديث متّفقٌ عليه، سيأتي للمصنّف في كتاب "الطلاق" مطوّلًا برقم (١٤٧٩).
(٢) هو ما أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاريّ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته، فقلت: أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها"، قلت: ثم من؟ قال: "عمر"، فَعَدَّ رجالًا، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم.
(٣) "المفهم" ٣/ ١٤٠ - ١٤١.