[وأجيب]: بأن المراد: فلما مضت تسع وعشرون ليلة بأيامها، فإن العرب تؤرّخ بالليالي، وتكون الأيام تابعة لها، ويدلّ لذلك قوله في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- عند البخاريّ وغيره:"فلما مضى تسعة وعشرون يومًا".
[فإن قلت]: سيأتي في حديث جابر -رضي الله عنه- في هذه القصّة:"فخرج إلينا صباح تسع وعشرين"، وهو صريح في أنه كان دخوله في التاسع والعشرين.
[قلت]: أجيب عنه بأن معناه صباح الليلة التي بعد تسعة وعشرين يومًا، وهي صبيحة ثلاثين، وهذا هو المعنى جمعًا بين الروايات، فإن قوله:"فلما مضى تسعة وعشرون يومًا" يقطع النزاع في ذلك، هكذا تأوله النوويّ في "شرح مسلم" تبعًا للقاضي عياض، فإنه قال بعد ذكره اختلاف الروايات في ذلك: معناه كله: بعد تمام تسعة وعشرين يومًا، يدلّ عليه رواية:"فلما مضى تسع وعشرون يومًا"، أفاده في "الطرح"(١).
(قَالَتْ: بَدَأَ بِي) فيه بيان لحظوتها عنده -صلى الله عليه وسلم- من بين نسائه، وفيه منقبةٌ عظيمة لها، حيث بدأ -صلى الله عليه وسلم- بالدخول عليها قبلهنّ.
(فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّكَ دَخَلْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ، فَقَالَ:"إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ") "أل" للعهد؛ أي هذا الشهر، وهذا يقتضي أن الشهر كان بالهلال، لا بالأيام، وكأنه خَفِي الهلال على الناس، وعَلِمَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- به بقول جبريل، فقد أخرج النسائيّ بإسناد صحيح، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"أتاني جبريل عليه السلام، فقال: الشهر تسع وعشرون يومًا"، فلذا اعترضت عائشة -رضي الله عنها- بما اعترضت، فبيّن لها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حقيقة الأمر، لكن مقتضى العدّ أن الشهر كان على الأيام، إلا أن يقال: زعمت عائشة أن الشهر ثلاثون، وإن رُؤي الهلال قبل ذلك، وهذا بعيد، قاله السنديّ رحمه الله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.