عليهم، أرأيت لو رُئي بمكة، أو بخراسان هلال رمضان أعوامًا بغير ما كان بالأندلس، ثم ثبت ذلك بزمان عند أهل الأندلس، أو عند بعضهم، أو عند رجل واحد منهم، أكان يجب عليه قضاء ذلك، وهو قد صام برؤيةٍ، وأفطر برؤيةٍ، أو بكمال ثلاثين يومًا، كما أُمِرَ؟ ومَن عَمِل بما يجب عليه مما أمر به فقد قضى الله عنه، وقول ابن عباس عندي صحيح في هذا الباب، والله الموفق للصواب. نتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله- (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رحمه الله-: قول ابن عبّاس - رضي الله عنه -: "هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كلمة تصريح برفع ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبأمره به، فهو حجة على أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام من الحجاز، أو ما قارب ذلك، فالواجب على أهل كلّ بلد أن يعملوا على رؤيتهم دون رؤية غيرهم، وإن ثبت ذلك عند الإمام الأعظم، ما لم يَحْمِل الناس على ذلك فلا تجوز مخالفته؛ إذ المسألة اجتهاديّة مُختلف فيها، ولا يبقى مع حكم الإمام اجتهادٌ، ولا تحلّ مخالفته، ألا ترى أن معاوية - رضي الله عنه - أمير المؤمنين قد صام بالرؤية، وصام الناس بها بالشام، ثم لم يلتفت ابن عبّاس - رضي الله عنهما - إلى ذلك، بل بقي على حكم رؤيته هو، ووجه هذا يُعرف من علم الهيئة والتعديل، وذلك يتبيّن فيها أن ارتفاعات الأقاليم مختلفة، فتختلف مطالع الأهلّة ومغاربها، فيطلُع الهلال ويغرُب على قوم قبل طلوعه وغروبه على آخرين، وعلى هذا فلا يظهر تأثير هذا إلا فيما بَعُدَ جدًّا، لا فيما قرُبَ، قال: وإلى ذلك صار ابن عبّاس، وسالم، والقاسم، وعكرمة، وبه قال إسحاق، وإليه أشار الترمذيّ، حيث بوّب:"لأهل كلّ بلد رؤيتهم"، وحكَى أبو عمر بن عبد البرّ الإجماع على أنه لا تُراعى الرؤية فيما بَعُد من البلدان، كالأندلس من خُرَاسان، قال: ولكلّ بلد رؤيتهم إلا ما كان كالمصر الكبير، وما تقاربت أقطاره من بلدان المسلمين، قال: وهذا الإجماع الذي حكاه أبو عمر يدلّ على أن الخلاف الواقع في هذه المسألة إنما هو فيما تقارب من البلاد، ثم ذكر ما ذكره ابن المنذر من الخلاف في المسألة، وقد