تقدّم، ثم قال: وقال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع، ثم نُقل إلى غيرهم بشهادة شاهدين لزمهم الصوم، وقال عبد الملك: أما ثبوته بالشهادة فلا يلزم فيها الصوم إلا لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة، إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم فيُلزِمَ الناس كلّهم الصيام، وعَلّل هذا بأن البلاد كلها لا كبلد واحد؛ إذ حكمه نافذ في الجميع.
قال القرطبيّ: هكذا وقع نقل المشايخ لهذه المسألة، ولم يفرّقوا بين البعيد والقريب من الأقاليم، والصواب الفرق بدليل الإجماع الذي حكاه أبو عمر، فيُحمل إطلاق المشايخ على البلاد المتقاربة، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١).
وقال الحافظ في "الفتح": وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
(أحدهما): أن لأهل كلّ بلد رؤيتهم، وفي "صحيح مسلم"، من حديث حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما يشهد له، وحكاه ابن المنذر عن عكرمة، والقاسم، وسالم، وإسحاق، وحكاه الترمذيّ عن أهل العلم، ولم يحك سواه. وحكاه الماورديّ وجهًا للشافعيّة.
(الثاني): مقابله: وهو أنه إذا رؤي ببلدة لزم أهل البلاد كلها، وهو المشهور عند المالكية، لكن حكى ابن عبد البرّ الإجماع على خلافه، وقال: أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد، كخراسان والأندلس. قال القرطبيّ: قد قال شيوخنا: إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع، ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم. وقال ابن الماجشون: لا يلزمهم بالشهادة إلا لأهل البلد الذي يثبت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الإمام الأعظم، فيلزم الناس كلهم؛ لأن البلاد في حقّه كالبلد الواحد؛ إذ حكمه في الجميع.
وقال بعض الشافعية: إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدًا، وإن تباعدت فوجهان، لا يجب عند الأكثر، واختار أبو الطيّب، وطائفة الوجوب، وحكاه البغويّ عن الشافعيّ.