(وَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: هُوَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ، قَالَ) أبو البختري (فَلَقِينَا) أي نحن، فـ "نا" ضمير المتكلّمين في محل الرفع على الفاعليّة (ابْنَ عَبَّاسٍ) بالنصب على المفعوليّة، يُروى بالرفع على أنه الفاعل و"نا" هو المفعول، قيل: الوجه الأول أولى من حيث اللفظ، ومن جهة المعنى؛ إذ فيه رعاية للأدب.
قال السندي -رحمه الله- يَحْتَمل أن يكون قولهم:"فلقينا ابن عبّاس" مجازًا عن لقاء رسولهم له، ويَحْتَمِل أنهم لقوه بعد أن أرسلوا إليه الرسول، وعلى الوجهين فلا منافاة بين هذه الرواية والرواية التالية، والله تعالى أعلم.
(فَقُلْنَا) أي لابن عبّاس - رضي الله عنهما - (إِنَّا) أي معشر القوم (رَأَيْنَا الْهِلَالَ) أي مرتفعًا جدًا (فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْم: هُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: هُوَ ابنُ لَيْلَتَينِ، فَقَالَ) ابن عبّاس - رضي الله عنهما - (أَيَّ لَيْلَةٍ) قال في "المرقاة": بالرفع، وفي نسخة صحيحة بالنصب، وهوأفصح من "أيةَ ليلة"(رَأَيْتموهُ؟) أي الهلال فيها (قَالَ) أبو البختريّ (فَقُلْنَا: لَيْلَةَ كَذَا وَكَذَا) أي رأيناه ليلة كذا؛ يعني أنهم عيّنوا الليلة التي رأوه فيها، قال في "المرقاة": ولم يظهر لي وجه تكرير "كذا"(فَقَالَ) ابن عبّاس - رضي الله عنهما - (إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إِنَّ اللهَ مَدَّهُ لِلرُّؤيةِ) قال النوويّ -رحمه الله-: هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: "فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَدَّهُ للرؤية"، هكذا ذكر النووي النسختين، ولم يتعقّب ذلك بشيء، وقد تعقّب الثانية القرطبيّ -رحمه الله-، ودونك عبارته: قال: قوله: "إن الله مدّه للرؤية" هكذا صحّت روايتنا فيه، وهكذا الأصول الصحيحة، والنسخ المعتمدة، وقد سقط في بعض النسخ لمن لا يضبط، ولا يحفظ: "قال: إن الله"، فيبقى اللفظ: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدّه للرؤية"، وهو خطأٌ صُراحٌ، لا يقبل الإصلاح. انتهى.
ثم إن جميع النسخ متفقة على "مَدَّهُ" من غير ألف فيها، وفي الرواية الثانية: "فقال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله قد أمَدّه لرؤيته"، هكذا هو في جميع النسخ "أمدّه" بألف في أوله، قال القاضي عياض -رحمه الله-: قال بعضهم: الوجه أن يكون أمدّه بالتشديد، من الإمداد، أو مدّه من الامتداد، قال القاضي: والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها، ومعناه: أطال مُدّته إلى الرؤية، يقال منه: مَدَّ، وأمدَّ، قال الله تعالى:{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ}[الأعراف: ٢٠٢]، قرئ بالوجهين: أي يُطيلون لهم، قال: وقد يكون أمده