للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآن حين تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال ابن المنذر: وذهب بعضهم إلى أن المراد بتبيّن بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر في الطرق والسكك والبيوت، ثم حكى ما تقدّم عن أبي بكر وغيره. وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عُبيد الأشجعيّ -وله صحبة- أن أبا بكر قال له: اخرج، فانظر هل طلع الفجر؟ قال: فنظرت، ثم أتيته، فقلت: قد ابيضّ، وسطع، ثم قال: اخرج، فانظر هل طلع؛ فنظرت، فقلت: قد اعترض، فقال: الآن أبلغني شرابي. وروى من طريق وكيع، عن الأعمش أنه قال: لولا الشهوة (١) لصليت الغداة، ثم تسحّرت. قال إسحاق: هؤلاء رأوا جواز الأكل، والصلاة بعد طلوع الفجر المعترض حتى يتبيّن بياض النهار من سواد الليل، قال إسحاق: وبالقول الأول أقول، لكن لا أطعن على من تأول الرخصة كالقول الثاني، ولا أرى عليه قضاء، ولا كفّارة.

قال الحافظ: وفي هذا تعقّب على الموفّق وغيره، حيث نقلوا الإجماع على خلاف ما ذهب إليه الأعمش. والله أعلم. انتهى (٢).

واحتجّ الجمهور بالأحاديث الصحيحة المشهورة المتظاهرة:

(منها): حديث عديّ بن حاتم -رضي الله عنه-، قال: لما نزلت: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]، قلت: يا رسول الله إني أجعل تحت وسادتي عقالين، عقالأ أبيض، وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن وسادك لَعَريض، إنما هو سواد الليل، وبياض النهار"، متفق عليه.

(ومنها): حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-، قال: أنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض، والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنه يعني به الليل من النهار، متفق عليه.


(١) هكذا النسخة، ولعله: لولا الشهرة، والله أعلم.
(٢) "الفتح" ٤/ ٦٣٥ - ٦٣٦.