للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا، وينزل ذا"، فكان شيخنا الإمام سراج الدين البلقينيّ رحمه الله يعتمد هذه الرواية، ويجعل هذا الكلام في غيرها مدرجًا، وفيه نظر؛ لأن في رواية أحمد التصريح بأنه من قول عائشة، ففيها زيادة علم يجب الأخذ بها، والظاهر أن قول البخاريّ: قال القاسم؛ أي في روايته عن عائشة، وذلك لأنه روى الحديث المذكور من طريق عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، ومن طريق القاسم بن محمد، عن عائشة، ثم بَيَّن أن هذه الزيادة في رواية القاسم؛ أي عن عائشة، وليست في حديث ابن عمر؛ لأنه أَبُوأطلق ذكرها لتُوُفم أنها في الإسنادين معًا، ولم يُرِدْ بذلك أن القاسم قالها من عند نفسه، بدليل رواية أحمد التي ذكرتها، والله أعلم. انتهى (١).

[تنبيه آخر] (٢): قال في "الفتح": وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر، هو وقت السحور، وهو أحد الأوجه في مذهب الشافعيّ، واختاره السبكيّ في"شرح المنهاج"، وحَكَى تصحيحه عن القاضي حسين، والمتولي، وقطع به البغويّ، وكلام ابن دقيق العيد يُشعِر به، فإنه قال بعد أن حكاه: يرجح هذا بأن قوله: "إن بلالًا ينادي بليل" خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعاً، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبهاً محتَمِلاً لأن يكون عند طلوع الفجر، فَبَيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب، بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق، قال: وهذا يدلّ على تقارب وقت أذان بلال من الفجر. انتهى.

ويقويه أيضًا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التاهبُ لإدراك الصبح في أول وقتها، وصَحَّح النوويّ في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم، فقالْ قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذِّن ويتربَّص بعد أذانه للدعاء ونحوه، فإذا قارب طلوع الفجر نزل، فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهب بالطهارة وغيرها، ثم يَرْقَى، وَيشْرَع في الأذان مع أول


(١) "طرح التثريب" ٢/ ٢٠٨ - ٢٠٩.
(٢) هذا التنبيه قد تقدّم معناه في المسألة السادسة الماضية في الحديث السابق، إلا أن فيه زيادة فائدة، لذا أعدته هنا، فتنبّه.