للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُنَادِي-) هو بمعنى "يؤذّن" (بِلَيْلٍ) الباء بمعنى "في" (لِيَرْجِعَ) بفتح الياء، وكسر الجيم المخففة، يُستعمل هذا لازمًا ومتعديًا، تقول: رجع زيدٌ، ورجعتُ زيدًا، قال الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ} [التوبة: ٨٣]، وهنا متعدّ وفاعله ضمير بلال، وقوله: (قَائِمَكُمْ) بالنصب على المفعوليّة، ومعناه أنه إنما يؤذن بليل؛ ليعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد، فيَرُدَّ القائمَ المتهجِّدَ إلى راحته؛ لينام غَفْوَةً؛ ليصبح نشيطًا، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يكون له حاجة إلى الصيام، فيتسحر، أو يتأهب للصبح إن أحتاج إلى طهارة أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح، قاله النوويّ رحمه الله.

وقال الكرمانيّ رحمه الله: قوله: "ليرجع"، إما من الرجوع، وإما من الرجع، و"قائمكم" مرفوع، أو منصوب (١).

قال الجامع عفا الله عنه: حاصل ما أشار إليه الكرمانيّ رحمه الله أنه يرى جَوَاز الوجهين هنا: أحدهما كون "ليرجع" لازمًا، ويكون "قائمُكم" فاعله مرفوعًا، والآخر يكون متعدياً، ويكون "قائمَكم" منصوبًا على أنه مفعول له، وهذا إن ساعدته الرواية فحسن، وإلا فما صحّت به الرواية، وهو كونه متعدّيًا هو المتعيّن، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح": لا يقال "لِيُرَجِّعَ" في المتعدى بالتثقيل، فمن رواه بالضم والتثقيل أخطأ، فإنه يصير من الترجيع، وهو الترديد، وليس مرادنا هنا (٢)، وإنما معناه يَرُدّ القائم، أى المتهجد إلى راحته؛ ليقوم إلى صلاة الصبح، نشيطاً، أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر، ويوقظ النائم؛ ليتأهب لها بالغسل ونحوه.

قال: وتمسك الطحاويّ بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- هذا لمذهبه، فقال: فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذُكِر لا للصلاة.


(١) راجع: "عمدة القاري" ٥/ ١٣٤.
(٢) تعقّبه العينيّ، فقال: إن كان خطؤه من جهة الرواية، فيمكن، وإلَّا فمن جهة المعنى فليس بخطأ، وتعليله الخطأ بقوله: فإنه يصير من الترجيع، وهو الترديد، وليس بمراد هنا، فيه نظر؛ لأن الذي رَوَى من الترجيع له أن يقول: ما أردت به الترديد، وإنما أردت به التعدية، فإنَّ "رجع" الذي هو لازم يجوز تعديته بالتضعيف كما في سائر الألفاظ اللازمة. انتهى.
قال الجامع: ما قاله العيني رحمه الله وجيهٌ، فتأمله.