للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويمكن الانفصال عن ذلك بأن الأيمان مبنية على العرف، وبذلك أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في مثل هذه الواقعة بعينها، ومثل هذا لو قال: إن أفطرت فأنت طالق، فصادف يوم العيد لم تُطلق حتى يتناول ما يفطر به، وقد ارتكب بعضهم الشَّطَط، فقال: يحنث، ويرجح الأول أيضًا رواية شعبة أيضًا بلفظ: "فقد حَلَّ الإفطار"، وكذا أخرجه أبو عوانة، من طريق الثوريّ، عن الشيبانيّ. انتهى (١).

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: قوله: "فقد أفطر الصائم" يَحْتَمل أن يكون معناه: دخل في وقت الفطر، كما تقول العرب: أظهر: دخل في وقت الظهر، وأشهر: دخل في الشهر، وأنجد، وأتهم: إذا دخل فيهما، أعني الموضعين، وعلى هذا لا يكون فيه تعرّضٌ للوصال، لا بنفي، ولا بإثبات.

وَيحْتَمِل أن يكون معناه: فقد صار مفطرًا حكمًا، ومعنى هذا أن زمان الليل يستحيل فيه الصوم الشرعيّ، وعلى هذين التأويلين يُخَرَّج خلاف العلماء، هل يصحّ إمساك ما بعد الغروب؟ فمنهم من قال: لا يصحّ، وهو كيوم الفطر، ومَنَعَ الوصال، وقال: لا يصحّ، ومنهم: من جَوَّزَ إمساك ذلك الوقت، ورأى أن له أجر الصائم؛ محتجًّا بأحاديث الوصال، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فأيّكم أراد أن يواصل، فليُواصل حتى السحر"، رواه البخاريّ، قالوا: وإنما نهاهم عن الوصال؛ رحمةً لهم، ورِفقًا بهم؛ لما يخاف من الضعف فيه، ولما يوجد من مشقّته، وسيأتي لهذا مزيد. انتهى (٢).

وقوله: (لَمْ يَذْكُر ابْنُ نُمَيْرٍ: "فَقَدْ") بيّن به الاختلاف الواقع بين شيوخه الثلاثة، في لفظة "فقد"، فقد ذكرها يحيى، وأبو كريب، ولم يذكرها محمد بن نمير، بل قال: "أفطر الصائم"، وهذا من ورع المصنّف رَحِمَهُ اللهُ، وشدّة احتياطه في مراعاة ألفاظ الشيوخ، وإن يكن بينها كبير اختلاف في المعنى، فلله درّه ما أشدّ إحكامه، وأسدّ أحكامه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٥/ ٣٦٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ١٥٨ - ١٥٩.