[القول الثاني]: كراهتها للصائم مطلقاً، وبه قال طائفة من السلف، فرَوَى ابنُ أبي شيبة في "مصنفه" عن عمر، وابنه عبد الله، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مطلقاً، وأبي قلابة النهي عنها، وعن عليّ، وابن مسعود: ما تصنع بخُلُوفِ فِيها؟ وعن ابن مسعود أيضاً: أنه سئل عن صائم قَبَّل، فقال: أفطر، وعن ابن عمر: أفلا يقبّل جمرةً، وعن شريح القاضي: يتقي الله، ولا يعود، وعن سعيد بن المسيّب: تنقص صيامه، ولا يفطر لها، وعن الشعبيّ: تجرح الصوم، وعن محمد ابن الحنفية: إنما الصوم من الشهوة، والقبلة من الشهوة، وعن مسروق: الليل قريبٌ، وعن ابن عمر أيضًا، وإبراهيم النخعيّ، وغيرهما كراهتها للصائم.
قال ابن المنذر: ورَوَينا عن ابن مسعود أنه قال: يقضي يوماً مكانه، وحَكَى الخطابيّ عن سعيد بن المسيّب أن من قبّل في رمضان قضى يوماً مكانه، وحكاه الماورديّ عن محمد ابن الحنفية، وعبد الله بن شُبْرُمة، قال: وقال سائر الفقهاء: القبلة لا تبطل الصوم، إلا أن يكون معها إنزال، ورَوَى مالك في "الموطأ" عن عروة بن الزبير، أنه قال: لم أر القبلة تدعو إلى خير، وبالكراهة يقول مالك مطلقاً في حق الشيخ والشابّ.
قال ابن عبد البرّ: وهو شأنه في الاحتياط.
قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى كون هذه الأقوال مخالفة للنصوص الصريحة المذكورة في الباب، وأولى ما يُعتذر به عنهم أن يقال: لم تبلغةم هذه النصوص، أو تأوّلوها بغير وجهها.
وأما دعوى الاحتياط، فما أبعده بعد غضب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الرجل لَمّا ذكر له أن الله يخصّه بما يشاء، فقال:"أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له"، فهل بعد تقواه، وخشيته - صلى الله عليه وسلم - احتياط، كلّا والله، ثمّ كلّا.
[القول الثالث]: التفرقة بين الشيخ والشابّ، فتكره للشابّ دون الشيخ، حكاه ابن المنذر عن فرقة، منهم: ابن عباس، ورواه ابن أبي شيبة عن مكحول، ورُوي عن ابن عمر مثل ذلك في المباشرة، وحكاه الخطابيّ عن مالك، والمعروف عنه ما تقدّم من الكراهة مطلقاً.
قال الجامع عفا الله عنه: وهذا المذهب أيضًا من جنس المذهب الذي