للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ورَوَى البيهقيّ نحو ذلك من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو عند أبي داود، ولكن بدل القبلة المباشرة.

قال ابن عبد البرّ: وقد أجمع العلماء أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها، وإنما كرهها خشيةَ ما تؤول إليه من الإنزال، وأقلّ ذلك المذي، ولم يختلفوا في أن من قبّل، وسَلِم من قليل ذلك وكثيرة فلا شيء عليه، ثم قال: لا أعلم أحداً أرخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها مما يفسد صومه، ولو قبّل فأمذى لم يكن عليه شيء عند الشافعيّ، وأبي حنيفة، والثوريّ، والأوزاعيّ، وابن علية، وقال مالك: كليه القضاء، ولا كفارة، والمتأخرون من أصحاب مالك البغداديون يقولون: إن القضاء هنا استحباب. انتهى، وحَكَى ابن قدامة الفطر في صورة ما إذا قَبّل، فأمذى عن مالك، وأحمد. انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن من ذكر هذه المذاهب، وأدلّتها، ومناقشتها أن المذهب الراجح هو الأول، وهو أن القبلة للصائم جائزة مطلقاً، فرضاً كان الصوم، أو نفلاً، شابًّا كان المقبّل، أو شيخًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - في نصوصه الصحيحة الصريحة أباحها على الإطلاق، ولم يستفصل من ذلك شيئاً، ولم يقيّد بشيء من ذلك، ولا سيّما وقد غضب على من راجعه بأنه ليس مثل أمته، وأغلظ له القول، فقال: "أما إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له".

ومن المعلوم أن الباعث على التقبيل غالباً هو تحرّك الشهوة، وهو - صلى الله عليه وسلم - يعلم بذلك حين أباح التقبيل على الإطلاق، وقد تبيّن ذلك في قول عمر - رضي الله عنه - حين سأله، فقال: هَشَشْت (٢)، فقبّلت، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت لو مضمضت من الماء، وأنت صائم؟ "، فقال: لا بأس به، قال: "فَمَهْ؟ " (٣)، فقد ذكر له - صلى الله عليه وسلم - أن


(١) "طرح التثريب في شرح التقريب" ٤/ ١٣٥ - ١٣٩.
(٢) في "القاموس": الْهَشَاشَةُ، والْهَشَاشُ: الارتياح، والخفّة، والنشاط، قال: ويعله كدَبَّ. انتهى.
(٣) هو ما أخرجه أبو داود في "سننه" ٦/ ٣٤٦ عن جابر بن عبد الله، قال: قال عمر بن الخطاب: هَشِشْتُ، فقبّلت، وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً =