للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: قد ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - صريحاً إباحة ذلك، كما تقدم، فيُجْمَع بين هذا وبين قولها المتقدم: "إنه يَحِلّ له كل شيء إلا الجماع" بحمل النهي هنا على كراهة التنزيه، فإنها لا تنافي الإباحة، وقد رويناه في "كتاب الصيام" ليوسف القاضي من طريق حماد بن سلمة، عن حماد، بلفظ: سألت عائشة عن المباشرة للصائم، فكرهتها، وكأن هذا هو السر في تصدير البخاريّ بالأثر الأول عنها؛ لأنه يُفَسِّر مرادها بالنفي المذكور في طريق حماد وغيره، والله أعلم.

قال: ويدل على أنها لا ترى تحريمها، ولا كونها من الخصائص ما رواه مالك في "الموطأ" عن أبي النضر، أن عائشة بنت طلحة أخبرته، أنها كانت عند عائشة، فدخل عليها زوجها، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك، فتلاعبها، وتقبلها؟ قال: أقبِّلها وأنا صائم؟ قالت: نعم.

[تنبيه آخر]: قال في "الفتح" أيضاً: وقد اختُلِف في القبلة والمباشرة للصائم، فكرهها قوم مطلقاً، وهو مشهور عند المالكية، ورَوَى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة، ونَقَلَ ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها.

واحتجوا بقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] الآية، فمنع المباشرة في هذه الآية نهاراً.

والجواب عن ذلك أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو المبيّن عن الله تعالى، وقد أباح المباشرة نهاراً، فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع، لا ما دونه من قبلة ونحوها، والله أعلم.

وممن أفتى بإفطار مَن قَبَّل وهو صائم: عبد الله بن شُبْرُمة، أحد فقهاء الكوفة، ونقله الطحاويّ عن قوم لم يسمّهم، وألزم ابن حزم أهل القياس أن يُلْحِقوا الصيام بالحج في منع المباشرة، ومقدمات النكاح؛ للاتفاق على إبطالهما بالجماع.

وأباح القبلة قومٌ مطلقاً، وهو المنقول صحيحاً عن أبي هريرة، وبه قال سعيد، وسعد بن أبي وقاص، وطائفة، بل بالغ بعض أهل الظاهر، فاستحبها.