للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما الصيام فمناسبته ظاهرة؛ لأنه كالمقاصّة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أُمر بمصابرة النفس في حفظ كلّ يوم من شهر رمضان على الولاء، فلما أفسد منه يومًا، كان كمن أفسد الشهر كله، من حيث إنه عبادة واحدة بالنوع، فكلِّف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده.

وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة؛ لأنه مقابلة كلّ يوم بإطعام مسكين، ثم إن هذه الخصال جامعةٌ؛ لاشتمالها على حق الله تعالى، وهو الصوم، وحقّ الأحرار بالإطعام، وحقّ الأرقاء بالإعتاق، وحقّ الجاني بثواب الامتثال (١)، والله تعالى أعلم.

(قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه - (ثُمَّ جَلَسَ) أي الرجل، وفي رواية البخاريّ: "فمَكُث عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - " قال في "الفتح": كذا هنا بالميم، والكاف المفتوحة، ويجوز ضمها، والثاء المثلثة، وفي رواية أبي نعيم في "المستخرج" من وجهين، عن أبي اليمان: "فسكت" بالمهملة، والكاف المفتوحة، والمثناة، وكذا في رواية ابن مسافر، وابن أبي الأخضر، وفي رواية ابن عيينة: "فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: اجْلِس، فجلس".

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "اجلس" انتظار منه لوجه يتخلّص به مما حصل فيه، أو ليوحى إليه في ذلك. انتهى (٢).

(فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) ببناء الفعل للمفعول، و"النبيّ" نائب فاعله، وفي رواية البخاريّ: "فبينا نحن على ذلك أُتي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - "، قال في "الفتح": في رواية ابن عيينة: "فبينما هو جالس كذلك"، قال بعضهم: يَحْتَمِل أن يكون سبب أمره له بالجلوس انتظار ما يوحى إليه في حقّه، ويَحْتَمِل أنه كان عَرَف أنه سيؤتى بشيء يعينه به، وَيحْتَمِل أن يكون أسقط عنه الكفارة بالعجز، وهذا الثالث ليس بقويّ؛ لأنَّها لو سقطت ما عادت عليه حيث أمره بها بعد إعطائه إياه الْمِكْتَلَ.

قال: والآتي المذكور لَمْ يُسَمّ، لكن وقع في رواية معمر عند البخاريّ


= وقد أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - بلفظ: "من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار حتى فرجه بفرجه".
(١) راجع: "الفتح" ٥/ ٣١٢ - ٣١٣.
(٢) "المفهم" ٣/ ١٧١.