للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("تَصَدَّقْ بِهَذَا") وفي رواية البخاريّ: "خُذْ هذا، فتصدق به"، قال في "الفتح": كذا للأكثر، ومنهم من ذكره بمعناه، وزاد ابن إسحاق: "فتصدق به عن نفسك"، ويؤيده رواية منصور عند البخاريّ بلفظ: "أطعم هذا عنك"، ونحوه في مرسل سعيد بن المسيِّب، من رواية داود بن أبي هند عنه، عند الدارقطنيّ، وعنده من طريق ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة: "نحن نتصدق به عنك"، واستُدلّ بإفراده بذلك على أن الكفارة عليه وحده، دون الموطوءة، وكذا قوله في المراجعة: "هل تستطيع"، و"هل تجد"، وغير ذلك (١)، وفيه اختلاف بين العلماء، سيأتي تحقيقه قريبًا - إن شاء الله تعالى -.

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "تصدّق بهذا" يلزم منه أن يكون قد ملّكه إياه؛ ليتصدّق به عن كفارته، ويكون هذا كقول القائل: أعتقت عبدي عن فلان، فإنه يتضمّن سبقيّة الملك عند قوم، وأباه أصحابنا مع الاتفاق على أن الولاء للمُعْتَق عنه، وأن الكفّارة تسقط بذلك. انتهى (٢).

(قَالَ) الرجل (أَفْقَرَ مِنَّا؟) قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كذا ضبطناه "أَفْقَرَ" - بالنصب، وكذا نَقَل القاضي عياض أن الرواية فيه بالنصب، على إضمار فعل، تقديره: أَتَجِد أفقر منا، أو أتعطي، قال: ويصح رفعه على تقدير: هل أحدٌ أفقرُ منا؟، كما قال في الحديث الآخر بعده: "أغيرُنا"، كذا ضبطناه بالرفع، ويصح النصب على ما سبق، قال النوويّ: وقد ضبطنا الثاني بالنصب أيضًا، فهما جائزان، كما سبق توجيههما. انتهى.

وفي رواية البخاريّ: "فقال الرجل: على أفقر مني"؛ أي أتصدق به على شخص أفقر مني، وهذا يشعر بأنه فَهِمَ الإذن له في المتصدق على من يتصف بالفقر، وقد بيّن ابن عمر في حديثه ذلك، فزاد فيه: "إلى من أدفعه؟ قال: إلى أفقر من تعلم"، أخرجه البزار، والطبرانيّ في "الأوسط"، وفي رواية إبراهيم بن سعد: "أعَلى أفقر من أهلي؟ "، ولابن مسافر: "أعلى أهل بيتٍ أفقر مني؟ "، وللأوزاعيّ: "أعَلى غير أهلي؟ "، ولمنصور: "أعَلى أحوج منّا؟ "، ولابن إسحاق: "وهل الصدقة إلَّا لي، وعليّ؟ ".


(١) "الفتح" ٥/ ٣١٨.
(٢) "المفهم" ٣/ ١٧١.