للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجتمع في حيوان نابٌ وقرنٌ. انتهى (١).

وفي رواية ابن إسحاق: "حتى بدت نواجذه"، ولأبي قُرّة في "السنن"، عن ابن جريجٍ: "حتى بدت ثناياه"، قال الحافظ: ولعلها تصحيف من "أنيابه"، فإن الثنايا تَبين بالتبسم غالبًا، وظاهر السياق إرادة الزيادة على التبسم، ويُحْمَل ما ورد في صفته - صلى الله عليه وسلم - أن ضحكه كان تبسمًا على غالب أحواله، وقيل: كان لا يضحك إلَّا في أمر يتعلق بالآخرة، فإن كان في أمر الدنيا لَمْ يزد على التبسم، قيل: وهذه القضية تَعْكُر عليه، وليس كذلك، فقد قيل: إن سبب ضحكه - صلى الله عليه وسلم - كان من تباين حال الرجل، حيث جاء خائفًا على نفسه، راغبًا في فدائها، مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة، طَمِعَ في أن يأكل ما أعطيه من الكفارة، وقيل: ضَحِكَ من حال الرجل في مقاطع كلامه، وحسن تأتّيه، وتلطفه في الخطاب، وحسن توسله في توصله إلى مقصوده. انتهى.

(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ،) وفي رواية لابن عيينة: "أطعمه عيالك ولإبراهيم بن سعد: "فأنتم إذًا"، وقُدِّم على ذلك ذكر الضحك، ولأبي قرة، عن ابن جريجٍ: "ثم قال: كله"، ونحوه ليحيى بن سعيد، وعِراك، وجمع بينهما ابن إسحاق، ولفظه: "خذها، وكلها، وأنفقها على عيالك"، ونحوه في رواية عبد الجبار، وحجاج، وهشام بن سعد، كلهم عن الزهريّ، ولابن خزيمة في حديث عائشة - رضي الله عنها -: "عُدْ به عليك، وعلى أهلك"، قاله في "الفتح" (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهَ -: قوله: "فأطعمه أهلك" تخيّل قوم من هذا الكلام سقوط الكفّارة عن هذا الرجل، فقالوا: هو خاصّ به، وليس فيه ما يدلّ على ذلك، بل نقول: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا بيّن له ما يترتّب على جنايته من الكفّارة لزم الحكم، وتقرّر في الذمّة، ثم لَمّا تبيّن من حاله هذا أنه عاجزٌ عن الكفارة سقط عنه القيام بما لا يقدر عليه في تلك الحال، وبقي الحكم في الذمّة على ما رتّبه أَوّلًا، فبقيت الكفّارة عليه إلى أن يستطيع شيئًا من خصالها، وهذا مذهب الجمهور، وأئمة الفتوى، وقد ذهب الأوزاعيّ، وأحمد إلى أن حكم من لَمْ يجد الكفّارة من سائر الناس سقوطها عنه.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٣٢.
(٢) "الفتح" ٥/ ٣٢٠.