وقالوا: فلان صائم، فلا تزال كذلك، حتى يذهب أجرك، ومن طريق مجاهد أيضًا عن جنادة بن أمية، عن أبي ذرّ - رضي الله عنه - نحو ذلك، وقد أخرج الشيخان عن أنس - رضي الله عنه - نحو هذا مرفوعًا حيث قال كليلى للمفطرين حيث خَدَموا الصُّوَّام:"ذهب المفطرون اليوم بالأجر".
واحتَجّ من منع الصوم أيضًا بما وقع في آخر هذا الحديث أن ذلك كان آخر الأمرين، وأن الصحابة كانوا يأخذون بالآخر فالآخر من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وزعموا أن صومه - صلى الله عليه وسلم - في السفر منسوخٌ.
وتُعُقّب أوّلًا بما تقدم من أن هذه الزيادة مدرجة من قول الزهريّ، وبأنه استند إلى ظاهر الخبر، من أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر بعد أن صام، ونَسَبَ من صام إلى العصيان، ولا حجة في شيء من ذلك؛ لأنه سيأتي لمسلم من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صام بعد هذه القصة في السفر، ولفظه: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة، ونحن صيام، فنزلنا منزلًا، فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا"، فكانت رخصةً، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فنزلنا منزلًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم مُصَبِّحو عدوّكم، فالفطر أقوى لكم، فأفطروا"، فكانت عزيمةً، فأفطرنا، ثم لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك في السفر.
قال الحافظ رحمه الله: وهذا الحديث نصّ في المسألة، ومنه يؤخذ الجواب عن نسبته - صلى الله عليه وسلم - الصائمين إلى العصيان؛ لأنه عزم عليهم، فخالفوا، وهو شاهد لما قلناه من أن الفطر أفضل لمن شقّ عليه الصوم، ويتأكد ذلك إذا كان يَحتاج إلى الفطر؛ للتقوي به على لقاء العدوّ.
وروى الطبريّ في "تهذيبه" من طريق خيثمة: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن الصوم في السفر، فقال: لقد أمرت غلامي أن يصوم، قال: فقلت له: فأين هذه الآية: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤]؟، فقال: إنها نزلت، ونحن نرتحل جياعًا، وننزل على غير شِبَعٍ، وأما اليوم فنرتحل شِبَاعًا، وننزل على شِبَع، فأشأر أنس - رضي الله عنه - إلى الصفة التى يكون فيها الفطر أفضل من الصوم.
وأما الحديث المشهور:"الصائم في السفر كالمفطر في الحضر"، فقد أخرجه ابن ماجه مرفوعًا، من حديث ابن عمر - رضي الله عنها - بسند ضعيف، وأخرجه