على الصائم في السفر؛ لكون كلّ منهما على صواب، فالصائم أخذ بالعزيمة، والمفطر أخذ بالرخصة، وكلّ منهما مما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده.
٢ - (ومنها): أن من فعل شيئًا مما شرعه الله عز وجل لا ينبغي للآخرين أن يعيبوا عليه، وإن كانوا يرونه خلاف الأولى.
٣ - (ومنها): بيان جواز الصوم والفطر في رمضان لمن لم يشقّ عليه، ولم يرغب عن الرخصة.
٤ - (ومنها): بيان إباحة السفر في رمضان، وفى ذلك ردّ لقول من قال: من دخل عليه رمضان لم يجز له أن يسافر فيه، إلا أن يصوم؛ لأنه قد لزمه صومه في الحضر، ولو دخل عليه رمضان في سفره، كان له أن يفطر في سفره ذلك (١).
٥ - (ومنها): ما قاله الحافظ أبو عمر رحمه الله: وفيه ردٌّ لقول من زعم أن الصيام في السفر لا يجزئ؛ لأن الفطر عزيمة من الله تعالى، كما رُوي عن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس -رضي الله عنه-، وقال بذلك قوم من أهل الظاهر، ورُوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: من صام في السفر قضى في الحضر.
ورُوي عن عبد الرحمن بن عوف: أن الصائم في السفر كالمفطر، ورُوي عن ابن عباس أيضًا والحسن أنهما قالا: إن الفطر في السفر عَزْمةٌ لا ينبغي تركها، وحديث هذا الباب يردّ هذه الأقاويل، ويبطلها كلّها.
وقد رُوي عن ابن عباس في هذه المسألة: خذ بيسر الله، وهذا منه إباحة للصوم والفطر للمسافر، خلاف القولين اللذين ذكرناهما عنه.
قال: وعلى إباحة الصوم والفطر للمسافر جماعةُ العلماء، وأئمة الفقه بجميع الأمصار إلا ما ذكرتُ لك عمن قدمنا ذكره، ولا حجة في أحد مع السنة الثابتة، هذا إن ثبتٌ ما ذكرناه عنهم.
وقد ثبتٌ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من وجوه أنه صام في السفر، وأنه لم يَعِب على من أفطر، ولا على من صام، فثبتت حجته، ولزم التسليم له، وإنما اختلف الفقهاء في الأفضل من الفطر في السفر، أو الصوم فيه لمن قدر عليه. انتهى