للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "يا معشر النساء" هذا نداء لجميع نساء العالم إلى يوم القيامة، وإرشاد لهنّ إلى ما سيُخلّصهنّ من النار، وهو الصدقة مطلقًا واجبها وتطوّعها، والظاهر أن المراد هنا القدر المشترك بين الواجب والتطوّع؛ لقوله في بعض طرقه: "ولو من حليّكن"، متّفقٌ عليه.

(تَصَدَّقْنَ) أمرٌ لهنّ بالصدقة، وهي ما تُعطَى للفقراء في ذات الله تعالى (١).

(وَأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ) أي طَلَبَ سَتْرِ ذنوبكنّ، قال القرطبيّ: الاستغفار سؤال المغفرة، وقد يُعبّر به عن التوبة، كما قال الله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠]، أي توبوا، وإنما عبّر عن التوبة بالاستغفار؛ لأنه إنما يصدُر عن الندَم وترك (٢) الإصرار، وذلك هو التوبة، فأما الاستغفار مع الإصرار فحال المنافقين والأشرار، وهو جدير بالردّ وتكثير الأوزار، وقد قال بعض العارفين: الاستغفار باللسان توبة الكذابين. انتهى كلام القرطبيّ ببعض تصرّف (٣).

(فَإنِّي) الفاء للتعليل، أي لأني (رَأَيْتُكُنَّ) الظاهر أنه أراد رؤية صِنْفِهنّ لا نفس المخاطبات، قال القرطبيّ: اطّلع على نساء آدميّات من نوع المخاطبات لا نفس المخاطبات، كما قال في الرواية الأخرى: "اطّلعت على النار، فرأيتُ أكثر أهلها النساء"، متّفق عليه.

[تنبيه]: يَحْتَمِلُ أن تكون رؤيته - صلى الله عليه وسلم - إياهنّ في النار ليلة الإسراء، ويَحْتَمِلُ أن يكون رآهنّ في صلاة الكسوف، كما سيجيء ذلك في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بلفظ: "ورأيت النارَ، فلم أر كاليوم منظرًا قطّ، ورأيت أكثر أهلها النساء … "، والله تعالى أعلم.

وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: "أُريتكنّ" بصيغة الماضي المبنيّ للمفعول، قال الطيبيّ: "أريتكنّ" بمعنى أُخبرتُ، وأعلمتُ بأنكنّ أكثر أهل النار، فهو يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل: الأول ضمير المتكلّم المتّصل به، والثاني: ضمير


(١) راجع: "اللسان" ١٠/ ١٩٦.
(٢) وقع هنا في "المفهم": "وجل الإصرار" والظاهر أنه مصحّف، والله تعالى أعلم.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٦٨.