للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلما سمع النساء ذلك علمن أن ذلك كان بسبب ذنب لهنّ، فبادرت هذه المرأة لجزالتها وشدّة حرصها على ما يُخلّص من هذا الأمر العظيم، فسألت عن ذلك، فقالت: (وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أكثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟) فأجابها - صلى الله عليه وسلم - فـ (قَالَ: "تُكثِرْنَ اللَّعْنَ) بضم حرف المضارعة، من الإكثار، والجملة في معنى التعليل، والمعنى لأنكنّ تكثرن اللعن.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: "اللعن" في اللغة: الطرد والإبعاد، ومعناه في الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى. انتهى (١).

وقال الطيبيّ رحمه الله تعالى: أصل اللعن: إبعاد الله تعالى العبد من رحمته بسخط، ومن الإنسان الدعاء عليه بالسخط. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "تُكثرن اللعن": أي يدور اللعنُ على ألسنتهنّ كثيرًا لمن لا يجوز لعنه، وكان ذلك عادةً جاريةً في نساء العرب، كما غلب بعد ذلك على النساء والرجال، حتى إنهم إذا استحسنوا شيئًا ربّما لعنوه، فيقولون: ما أشعره لعنه الله!، وقد حَكَى بعضهم أن قصيدة ابن دُريد تُسمّى عندهم الملعونةَ؛ لأنهم كانوا إذا سمعوها قالوا: ما أشعره لعنه الله!، وقد تقدّم أن اللعن: الطرد والبعد. انتهى (٣).

(وَتَكْفُرْنَ) قال الراغب: الكُفر في اللغة: ستر المشيء، وكُفر النعمة وكُفرانها سترها بترك أداء شُكرها، قال: {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: ٩٤]، وأعظم الكفر جحود الوحدانيّة، والربوبيّة، والنبوّة، والشريعة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالًا، والكفر في الدين أكثر، والْكُفُور فيهما جميعًا، قال: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الفرقان: ٥٠] انتهى (٤).

(الْعَشِيرَ) بفتح العين وكسر المشين: هو في الأصل: المعاشر مطلقًا، والمراد هنا الزوج، قاله النوويّ (٥).

وقال الشيخ ابن الصلاح: وهذا قاض بأن نفس إكثار اللعن، ونفس


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٣٧٩.
(٢) راجع: "الكاشف" ٢/ ٤٦٥.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٦٩.
(٤) راجع: "الكاشف" ٢/ ٤٦٤ - ٤٦٥.
(٥) "شرح مسلم" ٢/ ٦٦.