للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فيه الأمر بصيام عاشوراء، وقد كان أوّلَ قدومه - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية، وفي السنة الثانية فُرِض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصيام عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فُوِّض الأمر في صومه إلى رأي المتطوِّع، فعلى تقدير صحة قول من يَدَّعِي أنه كان قد فُرِض فقد نُسخ فرضه بهذه الأحاديث الصحيحة.

ونَقَل القاضي عياض أن بعض السلف كان يَرَى بقاء فرضية عاشوراء، لكن انقرض القائلون بذلك، ونَقَل ابن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، والإجماعَ على أنه مستحبّ، وكان ابن عمر يَكْرَه قصده بالصوم، ثم انقرضَ القول بذلك.

وأما صيام قريش لعاشوراء فلعلّهم تلقَّوه من الشرع السالف، ولهذا كانوا يعظِّمونه بكسوة الكعبة فيه، وغير ذلك، قال: ثم رأيت في المجلس الثالث من مجالس الباغنديّ الكبير، عن عكرمة أنه سُئل عن ذلك، فقال: أذنبت قريش ذنبًا في الجاهلية، فعَظُم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يُكَفّر ذلك. هذا أو معناه. انتهى (١).

(فَلَمَّا فُرِضَ) بالبناء للمفعول (شَهْرُ رَمَضَانَ) أي صيامه (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("مَنْ شَاءَ صَامَهُ) أي صام يوم عاشوراء (وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ") أي لكونه تطوّعًا، وقال النوويّ رحمه الله: معناه: أنه ليس متحتِّمًا، فأبو حنيفة يقدره: ليس بواجب، والشافعية يقدرونه: ليس متأكدًا أكمل التأكيد، وعلى المذهبين فهو سنة مستحبة الآن من حين قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذا الكلام، قال: والعلماء مُجْمِعون على استحبابه وتعيينه؛ للأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب، وأما قول ابن مسعود رحمه الله: "كنا نصومه، ثم تُرِك": فمعناه: أنه لم يَبْقَ كما كان من الوجوب، أو تأكد الندب. انتهى كلام النوويّ بتصرّف (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٥/ ٤٣٧.
(٢) راجع: "شرح النوويّ" ٨/ ٤ - ٥.