للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مأمورًا بالمخالفة، بل كان يتألّفهم في كثير من الأمور، ومنها أمر القبلة (١)، ثم لَمّا ثبتت عليهم الحجة، ولم يمنعهم الملائمة، وظهر منهم العناد والمكابرة اختار مخالفتهم، وترك مؤالفتهم. انتهى (٢).

(فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ) وفي الرواية التالية: "فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بصيامه"، وفيه دليل لقول من قال بوجوب صوم عاشوراء؛ لأن الأمر للإيجاب، وهو القول الراجح، وقد تقدّم البحث فيه مستوفى -ولله الحمد-.

قال في "الفتح": واستُشكِل رجوعه إليهم في ذلك -أي لأن إخبارهم غير مقبول- وأجاب المازريّ باحتمال أن يكون أُوحي إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك، زاد عياض: أو أخبره به من أسلم منهم، كابن سلام، ثم قال: ليس في الخبر أنه ابتدأ الأمر بصيامه، بل في حديث عائشة - رضي الله عنها - التصريح بأنه كان يصومه قبل ذلك، فغاية ما في القصة أنه لم يَحْدُث له بقول اليهود تجديد حكم، وإنما هي صفة حال، وجواب سؤال.

ولم تختلف الروايات عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذلك، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة - رضي الله عنها -: "إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه"، كما تقدم؛ إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه، مع اختلاف السبب في ذلك.

قال القرطبيّ: لعل قريشًا كانوا يستندون في صومه إلى شرع مَن مضى، كإبراهيم، وصوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَمِل أن يكون بحكم الموافقة لهم، كما في الحج، أوأَذِن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر، ووجد اليهود يصومونه، وسألهم، وصامه، وأمر بصيامه احتَمَلَ ذلك أن يكون ذلك استئلافًا لليهود، كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويَحْتَمِل غير ذلك، وعلى كل حال فلم يصمه - صلى الله عليه وسلم - اقتداء بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنْهَ عنه. انتهى (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) كون أمر القبلة لتأليف اليهود محل نظر، وقد أسلفت الكلام فيه فتنبّه.
(٢) راجع: "المرعاة" ٧/ ٩٥.
(٣) "الفتح" ٥/ ٤٤٠.