للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عباس أنه كان يقول: "لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام شهرًا كاملًا غير رمضان".

وإنما جمع ابن عباس بين عاشوراء ورمضان -وإن كان أحدهما واجبًا، والآخر مندوبًا- لاشتراكهما في حصول الثواب؛ لأن معنى "يتحرّى" أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه، والرغبة فيه. انتهى (١).

وقال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "فضّله على غيره" في بعض نسخ "المصابيح": "فَضْلَه" بسكون الضاد، ونصب اللام، وتؤيّده رواية "شرح السنّة": "ما كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صوم يوم يبتغي فضله إلا صيام رمضان، وهذا اليوم يوم عاشوراء"، وقال المظهر: "فَضْله" بدل من قوله: "صيام يوم"، والتقدير: يتحرّى فضل صيام يوم على غيره، والتحرّي طلب الصواب، والمبالغة في طلب شيء، والمعنى: ما رأيته يبالغ في تفضيل يوم على يوم إلا عاشوراء، ورمضان، وذلك لأن رمضان فريضةٌ، وعاشوراء كانت فريضةً، ثم نُسخت.

قال الطيبيّ: وأقول: على هذا المبدل هنا ليس في حكم المنحى؛ لاستدعاء الضمير ما يرجع إليه، نحو قولك: زيد رأيت غلامه رجلًا صالحًا، وفي أكثر النسخ "فَضَّلَهُ" بتشديد الضاد، قيل: هو بدل من "يتحرَّى"، والحمل على الصفة أولى؛ لأن قوله: "هذا اليوم" مستثنًى، ولا بدّ من مستثنى منه، وليس ها هنا إلا قوله: "يوم"، وهو نكرة في سياق النفي يفيد العموم، فالمعنى: ما رأيته - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى في صيام يوم من الأيّام صفته أنه مفضَّلٌ على غيره إلا صيام هذا اليوم، فإنه كان يتحرّى في تفضيل صيامه ما لم يكن يتحرَّى في تفضيل غيره، ونحوه في اعتبار المستثنى منه قوله: "ما أيام أحبّ إلى الله أن يُتعبّد له فيها من عشر ذي الحجة".

وقوله: "وهذا الشهر" عطف على قوله: "هذا اليوم"، ولا يستقيم إلا بالتأويل، إما أن يقدّر في المستثنى منه: "وصيام شهر فضله على غيره"، وهو من اللف التقديريّ، وإما أن يُعتبر في الشهر أيامه يومًا فيومًا موصوفًا بهذا الوصف. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ٤/ ٧٧٦.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٥/ ١٦٠٥ - ١٦٠٦.