سبق في "صحيح مسلم" في "كتاب الصلاة" من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم".
قال بعض العلماء: ولعل السبب في صوم التاسع مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر، وفي الحديث إشارة إلى هذا، وقيل: للاحتياط في تحصيل عاشوراء، والأول أولى، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).
وقال الزين ابن المنيّر: قوله: إذا أصبحت من تاسعه، فأصْبحْ يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائمًا بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة، وهي الليلة العاشرة.
قال الحافظ: ويقوّي هذا الاحتمال ما يأتي أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التاسع، فمات قبل ذلك"، فإنه ظاهر في أنه كان يصوم العاشر، وهمّ بصوم التاسع، فمات قبل ذلك، ثم ما همّ به من صوم التاسع يَحْتَمِل معناه أنه لا يقتصر عليه، بل يضيفه إلى اليوم العاشر؛ إما احتياطًا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح، وبه تُشعر رواية أبي غطفان التالية، ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا:"صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده".
وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فُتحت مكة، واشتهر أمر الإسلام أحبّ مخالفة أهل الكتاب أيضًا، كما ثبت في "الصحيح"، فهذا من ذلك، فوافقهم أوّلًا، وقال:"نحن أحقّ بموسى منكم"، ثم أحبّ مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله، أو يوم بعده خلافًا لهم، ويؤيّده رواية الترمذيّ من طريق أخرى بلفظ:"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام عاشوراء، يوم العاشر".
وقال بعض أهل العلم: قوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم:"لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع" يَحْتَمِل أمرين: