نفوس، لكن كان قدماؤهم يقولون: إن نفس الفلك عَرَضٌ قائم بالفلك كنفوس البهائم، وكما يقوم بالإنسان الشهوة والغضب، لكن طائفة منهم كابن سينا وغيره زعموا أن النفس الفلكية جوهر قائم بنفسه، كنفس الإنسان، وما دامت نفس الإنسان مدبرة لبدنه سَمَّوها نفسًا، فإذا فارقت سَمَّوها عقلًا؛ لأن العقل عندهم هو المجرد عن المادّة وعن علائق المادّة، وأما النفس فهي المتعلقة بالبدن تعلق التدبير والتصريف.
وأصل تسميتهم هذه مجردات، هو مأخوذ من كون الإنسان يُجَرِّد الأمور العقلية الكلية عن الأمور الحسية المعينة، فإنه إذا رأى أفرادًا للإنسان كزيد وعمرو، عَقَلَ قدرًا مشتركًا بين الأناسي وبين الإنسانية الكلية المشتركة المعقولة في قلبه، وإذا رأى الخيل والبغال والحمير وبهيمة الأنعام وغير ذلك من أفراد الحيوان عَقَلَ من ذلك قدرًا كليًّا مشتركًا بين الأفراد، وهي الحيوانية الكلية المعقولة، وإذا رأى مع ذلك الحيوان والشجر والنبات عَقَلَ من ذلك قدرًا مشتركًا كليًّا، وهو الجسم النامي المغتذي، وقد يسمون ذلك النفس النباتية، وإذا رأى مع ذلك سائر الأجسام العلوية الفلكية، والسفلية العنصرية عَقَلَ من ذلك قدرًا مشتركًا كليًّا، هو الجسم العام المطلق، وإذا رأى ما سوى ذلك من الموجودات عَقَل من ذلك قدرًا مشتركًا كليًّا، وهو الوجود العام الكلي، الذي ينقسم إلى جوهر وعرض، وهذا الوجود هو عندهم موضوع العلم الأعلى الناظر في الوجود ولواحقه، وهي الفلسفة الأولى، والحكمة العليا عندهم، وهم يقسمون الوجود إلى جوهر وعَرَض، والأعراض يجعلونها تسعة أنواع. هذا هو الذي ذكره أرسطو وأتباعه يجعلون هذا من جملة المنطق؛ لأن فيه المفردات التي تنتهي إليها الحدود المؤلفة، وكذلك من سلك سبيلهم، ممن صنف في هذا الباب، كابن حزم وغيره، وأما ابن سينا وأتباعه فقالوا: الكلام في هذا لا يختص بالمنطق، فأخرجوها منه، وكذلك من سلك سبيل ابن سينا كأبي حامد، والسهرورديّ المقتول، والرازيّ، والآمديّ، وغيرهم، وهذه هي المقولات العشر التي يُعَبِّرون عنها بقولهم: الجوهر، والكمّ، والكيف، والأين، ومتى، والإضافة، والوضع، والملك، وأن يفعل، وقد جمعت في بيتين، وهي: