وأكثر الناس - من أتباعه، وغير أتباعه - أنكروا حصر الأعراض في تسعة أجناس، وقالوا: إن هذا لا يقوم عليه دليل، ويثبتون إمكان ردّها إلى ثلاثة وإلى غير ذلك من الأعداد، وجعلوا الجواهر خمسة أنواع: الجسم، والعقل، والنفس، والمادّة، والصورةُ، فالجسم جوهر حسّي، والباقية جواهر عقلية، لكن ما يذكرونه من الدليل على إثبات الجواهر العقلية إنما يدُلّ على ثبوتها في الأذهان لا في الأعيان، وهذه التي يسمونها المجردات العقلية، ويقولون: الجواهر تنقسم إلى مادّيّات ومجردات، فالمادّيّات القائمة بالمادّة، وهي الْهَيُولَى، وهي الجسم، والمجردات هي المجردات عن المادة، وهذه التي يسمونها المجردات أصلها هي هذه الأمور الكلية المعقولة في نفس الإنسان، كما أن المفارقات أصلها مفارقة النفس البدن، وهذان أمران لا يُنكران، لكن ادّعَوا في صفات النفس وأحوالها أمورًا باطلةً، وادّعوا أيضًا ثبوت جواهر عقلية قائمة بأنفسها، ويقولون فيها: العاقل والمعقولط والعقل شيء واحد، كما يقولون مثل ذلك في رب العالمين، فيقولون: هو عاقل ومعقول وعقل، وعاشق ومعشوق وعشق، ولذيذ وملتذ ولذة، ويجعلون الصفة عين الموصوف، ويجعلون كل صفة هي الأخرى، فيجعلون نفس العقل الذي هو العلم نفس العاقل العالم، ونفس العشق الذي هو الحب نفس العاشق المحب، ونفس اللذة هي نفس العلم ونفس الحب، ويجعلون القدرة والإرادة هي نفس العلم، فيجعلون العلم هو القدرة، وهو الإرادة، وهو المحبة، وهو اللذة، ويجعلون العالم المريد المحب الملتذ هو نفس العلم الذي هو نفس الإرادة، وهو نفس المحبة، وهو نفس اللذة، فيجعلون الحقائق المتنوعة شيئًا واحدًا، ويجعلون نفس الصفات المتنوعة هي نفس الذات الموصوفة، ثم يتناقضون فيثبتون له علمًا ليس هو نفس ذاته، كما تناقض ابن سينا في إشاراته وغيره من محققيهم، وبسط الكلام في الرد عليهم بموضع آخر.
والمقصود أنهم يعبرون بلفظ العقل عن جوهر قائم بنفسه، ويثبتون جواهر عقلية يسمونها المجردات والمفارقات للمادّة، وإذا حقق الأمر عليهم لم يكن