للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عندهم غير نفس الإنسان التي يسمونها الناطقة وغير ما يقوم بها من المعنى الذي يسمى عقلًا.

وكان أرسطو وأتباعه يسمون الرب عقلًا وجوهرًا، وهو عندهم لا يَعْلَم شيئًا سوى نفسه، ولا يريد شيئًا، ولا يفعل شيئًا، ويسمونه "المبدأ" و"العلة الأولى"؛ لأن الفلك عندهم متحرك للتشبه به، أو متحرك للشبه بالعقل، فحاجة الفلك عندهم إلى العلة الأولى من جهة أنه متشبه بها، كما يتشبه المؤتم بالإمام، والتلميذ بالأستاذ، وقد يقول: إنه يحركه كما يحرك المعشوق عاشقه، ليس عندهم أنه أبدع شيئًا، ولا فعل شيئًا، ولا كانوا يسمونه واجب الوجود، ولا يقسمون الوجود إلى واجب وممكن، ويجعلون الممكن هو موجودًا قديمًا أزليًّا كالفلك عندهم.

وإنما هذا فعل ابن سينا وأتباعه، وهم خالفوا في ذلك سلفهم وجميعَ العقلاء، وخالفوا أنفسهم أيضًا فتناقضوا، فإنهم صرّحوا بما صرّح به سلفهم وسائر العقلاء من أن الممكن الذي يمكن أن يكون موجودًا وأن يكون معدومًا لا يكون إلا محدثًا مسبوقًا بالعدم، وأما الأزليّ الذي لم يزل ولا يزال، فيمتنع عندهم وعند سائر العقلاء أن يكون ممكنًا يقبل الوجود والعدم، بل كل ما قَبِل الوجود والعدم لم يكن إلا مُحْدَثًا، وهذا مما يستدل به على أن كل ما سوى الله فهو محدث، مسبوق بالعدم، كائن بعد أن لم يكن، كما بُسِط في موضعه.

لكن ابن سينا ومتبعوه تناقضوا فذكروا في موضع آخر أن الوجود ينقسم إلى: واجب وممكن، وأن الممكن قد يكون قديمًا أزليًا لم يزل ولا يزال يمتنع عدمه، ويقولون: هو واجب بغيره، وجعلوا الفلك من هذا النوع، فخرجوا عن إجماع العقلاء الذين وافقوهم عليه في إثبات شيء ممكن، يمكن أن يوجد وأن لا يوجد، وأنه مع هذا يكون قديمًا أزليًا أبديًا، ممتنع العدم واجب الوجود بغيره، فإن هذا ممتنع عند جميع العقلاء، وذلك بَيِّن في صريح العقل، لمن تصور حقيقة الممكن الذي يَقبل الوجود والعدم، كما بُسِط في موضعه.

وهؤلاء المتفلسفة إنما تسلطوا على المتكلمين الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم؛ لأن هؤلاء لم يَعْرِفوا حقيقة ما بَعَثَ الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم