قال القرطبيّ: وهذا القول يردّه فطر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السَّفر الطارئ عليهم بفتح مكة، على ما تقدَّم، وقد كانوا ابتدؤوا الصوم في الحضر.
وقال أبو حنيفة: من شهد الشهر بشروط التكليف فليصمه، ومن دخل عليه وهو مجنون، وتمادى به طول الشهر فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام، ومن جُنَّ أول الشهر، أو آخره؛ فإنه يقضي أيام جنونه.
قال القاضي أبو محمد بن عطية: ونصب الشهر على هذا التأويل على المفعول الصريح: يشهد.
قال القرطبيّ: وتكميله أن يكون {شَهِدَ} بمعنى: شاهد. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - هذا مُتَّفَقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢٧/ ٢٦٨٥ و ٢٦٨٦](١١٤٥)، و (البخاريّ) في "التفسير"(٤٥٠٧)، و (أبو داود) في "الصوم"(٢٣١٥)، و (الترمذيّ) في "الصوم"(٧٩٨)، و (النسائيّ) في "الصيام"(٤/ ١٩٠) و"الكبرى"(٢/ ١١٢ و ٦/ ٢٩٥)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٢/ ١٩٧)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٣/ ٢٢٠)، و (ابن خزيمة) في "صحيحه"(١٩٠٣)، و (الدارميّ) في "سننه"(٢/ ٢٧)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٤/ ٢٠٠)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان نسخ التخيير بين الصوم والفدية لمن أطاق الصوم.
٢ - (ومنها): ثبوت النسخ في القرآن، وقد أجمعت الأمة على ذلك، ودلّ عليه قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا}[البقرة: ١٠٦].
٣ - (ومنها): التدرّج في تشريع الصوم، تسهيلًا على المكلّفين، فكان