أول ما شُرع من أراد أن يصوم صام، ومن أراد أن يُطعم أطعم وأفطر، حتى إذا أَلِفُوه، وسهل عليهم نزل قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[البقرة: ١٨٥]، فأوجب الله عليهم صيامه، ونسخ الفدية، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في نسخ هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}[البقرة: ١٨٤] الآية:
قال القاضي عياض رحمه الله: اختَلَف السلف هل هي محكمة، أو مخصوصة، أو منسوخة كلها أو بعضها؟ فقال الجمهور: منسوخة، كقول سلمة - رضي الله عنه -، ثم اختَلَفوا هل بقي منها ما لم يُنسَخ؟:
فرُوي عن ابن عمر والجمهور أن حكم الإطعام باقٍ على من لم يطق الصوم لِكِبَر.
وقال جماعة من السلف، ومالك، وأبو ثور، وداود: جميع الإطعام منسوخ، وليس على الكبير إذا لم يُطِق الصوم إطعام، واستحبه له مالك.
وقال قتادة: كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم، ثم نُسِخَ فيه، وبقي فيمن لا يطيق.
وقال ابن عباس وغيره: نزلت في الكبير والمريض اللذين لا يقدران على الصوم، فهي عنده محكمة، لكن المريض يقضي إذا برئ، وأكثر العلماء على أنه لا إطعام على المريض.
وقال زيد بن أسلم، والزهريّ، ومالك: هي محكمة، ونزلت في المريض يُفطر، ثم يبرأ، ولا يقضي حتى يدخل رمضان آخر، فيلزمه صومه، ثم يقضي بعده ما أفطر، ويطعم عن كل يوم مُدًّا من حنطة، فأما من اتَّصَل مرضه برمضان الثاني، فليس عليه إطعام، بل عليه القضاء فقط.
وقال الحسن البصريّ وغيره: الضمير في {يُطِيقُونَهُ} عائد على الإطعام، لا على الصوم، ثم نُسِخ ذلك فهي عنده عامّةٌ.
ثم جمهور العلماء على أن الإطعام عن كل يوم مدّ، وقال أبو حنيفة: مدّان، ووافقه صاحباه، وقال أشهب المالكيّ: مدّ وثلث لغير أهل المدينة، ثم جمهور العلماء أن المرض المبيح للفطر هو ما يَشُقّ معه الصوم، وأباحه