للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بإيجاب الصيام عليه بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وأما الشيخ الفاني الْهَرِم الذي لا يستطيع الصيام، فله أن يفطر، ولا قضاء عليه؛ لأنه ليست له حال يصير إليها يتمكن فيها من القضاء، ولكن هل يجب عليه إذا أفطر أن يُطعم عن كل يوم مسكينًا؛ إذا كان ذا جِدَة؟ فيه قولان للعلماء:

أحدهما: لا يجب عليه إطعام؛ لأنه ضعيف عنه لسنّه، فلم يجب عليه فدية، كالصبيّ؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وهو أحد قولي الشافعيّ.

والثاني -وهو الصحيح- وعليه أكثر العلماء: أنه يجب عليه فدية عن كل يوم، كما فسره ابن عباس وغيره من السلف على قراءة من قرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}: أي يتجشمونه، كما قاله ابن مسعود وغيره، وهو اختيار البخاريّ، فإنه قال: وأما الشيخ الكبير إذا لم يُطق الصيام فقد أطعم أنس بعدما كَبِر عامًا أو عامين، عن كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا، وأفطر، وهذا الذي علّقه البخاريّ قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، فقال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدّثنا عمران، عن أيوب بن أبي تميمة، قال: ضَعُف أنس عن الصوم، فصَنَع جَفْنَةً من ثَرِيد، فدعا ثلاثين مسكينًا، فأطعمهم.

ورواه عبد بن حميد، عن رَوْح بن عُبادة، عن عِمران، وهو ابن حُدَير، عن أيوب به، ورواه عبد أيضًا من حديث ستة من أصحاب أنس، عن أنس بمعناه. انتهى كلام ابن كثير رحمه الله، وهو تحقيقٌ مفيدٌ جدًّا، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو على أولادهما لو صامتا:

قال الإمام الترمذيّ -بعد إخراجه حديث: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عن الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَن الْحَامِلِ، أو الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ"، وهو حديث صحيح- ما نصّه: والعمل على هذا عند أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: الحامل والمرضع يفطران، ويقضيان، ويُطعمان، وبه يقول سفيان، ومالك، والشافعيّ، وأحمد. وقال بعضهم: يفطران، ويُطعمان، ولا قضاء