قال النوويّ رحمه الله: مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعيّ، وأحمد، وجماهير السلف والخلف أن قضاء رمضان في حقّ من أفطر بعذر، كحيض، وسفر، يجب على التراخي، ولا يشترط المبادرة به في أول الإمكان، لكن قالوا: لا يجوز تأخيره عن شعبان الآتي؛ لأنه يؤخره حينئذ إلى زمان لا يقبله، وهو رمضان الآتي، فصار كمن أخره إلى الموت.
وقال داود: تجب المبادرة به في أول يوم بعد العيد من شوال، وحديث عائشة - رضي الله عنها - هذا يردّ عليه.
قال الجمهور: وتُستَحَبّ المبادرة به؛ للاحتياط فيه، فإن أخّره فالصحيح عند المحققين من الفقهاء، وأهل الأصول أنه يجب العزم على فعله، وكذلك القول في جميع الواجب الموسَّع إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله، حتى لو أخره بلا عزم عصى، وقيل: لا يشترط العزم، وأجمعوا أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركه عن كل يوم مدّ من طعام، هذا إذا كان تمكن من القضاء فلم يقض، فأما من أفطر في رمضان بعذر، ثم اتَّصُل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات، فلا صوم عليه، ولا يُطْعَم عنه، ولا يصام عنه.
ومن أراد قضاء صوم رمضان نُدِب مرتَّبًا متواليًا، فلو قضاه غير مرتَّب، أو مفرَّقًا جاز عندنا وعند الجمهور؛ لأن اسم الصوم يقع على الجميع، وقال جماعة من الصحابة، والتابعين، وأهل الظاهر: يجب تتابعه، كما يجب الأداء. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).
وقال الإمام البخاريّ رحمه الله في "صحيحه": "باب متى يُقْضَى قضاءُ رمضان"، وقال ابن عباس: لا بأس أن يفرق؛ لقول الله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤]، وقال سعيد بن المسيِّب في صوم العشر: لا يصلح حتى يبدأ برمضان، وقال إبراهيم: إذا فرَّط، حتى جاء رمضان آخر يصومهما، ولم يَرَ عليه طعامًا، ويذكر عن أبي هريرة مرسلًا، وابن عباس، أنه يُطعِم، ولم يذكر الله الإطعام، إنما قال:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. انتهى.