بعد ثبوتها، وترك ما يخالفها بعد صحتها، وهذه الأخبار ثابتةٌ، ولا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في صحتها، فوجب على من سمعها اتباعها، ولا يسعه خلافها.
قال: وأما الحديث الذي رُوي عن محمد، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا: أن فيه الكفارة، ولم يذكر الصيام، فإن رَفْعَهُ وَهَمٌ، والصواب عن ابن عمر موقوفًا، ومحمد هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قاله ابن عديّ، وهو ضعيف الحديث، كثير الوَهْم.
وما رُوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يحجّ أحد عن أحد فإنما أراد به- والله أعلم- في حال الحياة، ثم اتباعُ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى، وعلمي أنه لو بلغه الخبر لصار إليه.
ورُوي عن ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - أنهما أفتيا بالكفارة دون ذكر الصوم عنه، ومن قال من أصحابنا بذلك احتج به عنهما، وهما رويا الحديث المرفوع في القضاء عن الميت، فدل على أن المراد بالحديث المرفوع فِعْلُ ما يكون قضاءً لصومه، وهو الإطعام الذي فسره -والله أعلم-.
والأحاديث المرفوعة أصحُّ إسنادًا، وأحفظ رجالًا من الذي رُوي موقوفًا، والأحاديث على ظاهرها، حتى يأتي دلالة على غير ذلك، وبالله التوفيق. انتهى كلام البيهقيّ رحمه الله (١)، وهو تحقيق حسنٌ جدًّا.
وحاصله أن أحاديث الباب على ظاهرها، فيُشرع الصوم والحج عمن مات ولم يصم، ولم يحُجّ، وأن ذلك مذهب الإمام الشافعيّ رحمه الله؛ لأن مذهبه: إذا صحّ الحديث فهو المقدّم على قوله، وأما ما روي عن بعض الصحابة بخلاف ذلك يُعتذر عنهم بأنه لم يبلغهم النصّ، وعلى تقدير بلوغه لهم، فالنصّ مقدّم على فتاواهم، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
٢ - (ومنها): جواز دفع صدقة التطوّع إلى الوالدين، والورثة.
٣ - (ومنها): أنه إذا تصدّق بشيء، ثم عاد إليه بسبب الإرث جاز له، وقيل: لا يجوز، وهو ضعيف، قال الترمذيّ رحمه الله بعد إخراجه الحديث ما